وردها إلى الدولة، بدأ يطبق ذلك على نفسه أولًا، فهذه الأشياء أو الأموال التي كانت تأتي من هذه الأرض التي يطلق عليها الصوافي، كانت توزع على بني أمية؛ ولذلك اعتبر أن ذلك نوع من المظالم، والمظالم ينبغي أن ترد إلى أصحابها. وغضب بنو أمية من تلك السياسة، وما ترتب عليها من قلة دخولهم، وبعثوا إليه عمته فاطمة بنت مروان؛ لتثنيه عن ذلك، يعني: تثنيه وتمنعه من رد هذه المظالم، فقال لها: "إن الله تعالى بعث محمدًا رحمة، لم يبعثه عذابًا، إن الله تعالى بعث محمدًا رحمة إلى الناس كافة، ثم اختار له ما عنده، فترك لهم نهرًا، شُربهم فيه سواء، ثم ولي أبو بكر فترك النهر على حاله، ثم ولي عمر فعمل على عمل صاحبه، فلما ولي عثمان اشتق من ذلك النهر نهرًا، ثم ولي معاوية فشق منه الأنهار، ثم لم يزل ذلك النهر يشق منه يزيد، ومروان، وعبد الملك، وسليمان، حتى أُفضي الأمر إلي، وقد يبس النهر الأعظم، ولن يُروى أصحاب النهر حتى يعود إليه من نهره الأعظم إلى ما كان عليه".
ولعله يريد بذلك النهر: هذه الأموال، الموارد الإسلامية التي كانت تأتي عن طريق الزكاة، الجزية، العشور، الخراج، هذا هو نهر، كان الكل يستفيد منه، وكان نهرًا واحدًا، لكن بعد ذلك أصبح له روافد، ولذلك هو لم يرض بذلك.
ولن يروى أصحاب النهر يعني: يقصد المسلمين جميعًا، ويأخذون حقوقهم من هذا النهر، ومعنى ذلك أن هذا النهر يقصد به -كما قلنا- الأموال التي تمتلكها الدولة الإسلامية؛ ولن يروى أصحاب النهر حتى يعود إليه من نهره الأعظم إلى ما كان عليه يعني: إلى ما كان عليه أيام النبي -صلى الله عليه وسلم- وأيام أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي.
ولم يخش في رد تلك المظالم قول قائل، أو رد فعل من جانب أهله، قائلًا: كل يوم أتقيه وأخافه دون يوم القيامة لا وََقَيتُه، يعني: كان لا يخاف من رد الفعل من