والإحسان، ثم قال له: لا تحملوا خرابًا على عامر، ولا عامرًا على خراب، انظر الخراب فخذ منه ما طاق، وأصلحه حتى يعمر، ولا يؤخذ من العامر إلا وظيفة الخراج في رفق وتسكين لأهل الأرض؛ ولا تأخذ في الخراج: ولا أجور الضرابين، ولا هدية النيروز والمهرجان، ولا ثمن الصحف، ولا أجور الفيوج، ولا أجور البيوت، ولا دراهم النكاح، ولا خراج على من أسلم من أهل الأرض.

وقرر الخليفة انقاص المقدار المفروض على نجرانية الكوفة من ألف وثلاثمائة حُلة على عهد الحجاج إلى مائتي حلة فقط، والحلة هي: نوع من الثياب، وهو يبلغ عشر ما كانوا يدفعونه قبلًا -يعني: قبل أن يتولى الخلافة.

وأمر في نفس الوقت بألا يؤخذ من أهل اليمن إلا المقدار الشرعي للخراج، وهو العشر أو النصف، قائلًا: والله لئلا تأتيني من اليمن غير حفنة كتم -وهو نوع من الحِناء- أحب إلي من إقرار هذه الوظيفة، وأسقط -أخيرًا- الضرائب المفروضة على رهبان مصر.

وواجه الخليفة عمر بن عبد العزيز أيضًا المفارقات الشاذة التي اقترنت بمشاكل التطور في الدولة الإسلامية؛ مواجهة كشفت عن إيمانه الصادق بالعدالة الإسلامية، وخبرته الواسعة بشئون الفقه الإسلامي، وكانت أولى المسائل التي عمد إلى حلها هي مشكلة الصوافي، التي نال أبناء البيت الأموي نصيب الأسد منها، دون مراعاة للنظام المالي الخاص بتلك الأراضي العامة للدولة، فقد كان هؤلاء الأمويون يأخذون ريع هذه الصوافي، لكنه كان يرى أنها تخضع للنظام العام للدولة الإسلامية، وينبغي أن تنفق في مصالح المسلمين.

فأطلق على تلك الأراضي المنتصبة لدى الأمويين اسم: المظالم، اعتبرها مظالم، ومعنى ذلك أن المظالم لا بد وأن ترد إلى أصحابها، وبدأ بما عنده، وبما عند آل بيته

طور بواسطة نورين ميديا © 2015