وصار هذا المقدار لا يضر الفرض العادي على نحو ما قاله الخليفة عمر درهم في الشهر لا يعوز رجلًا, لا يؤثر في الرجل, وكان أساس التباين في دفع الجزية في ظل النظام المالي الإسلامي هو الحالة الاجتماعية, وما صاحبها من دخل, فكان على الدهاقين -أي: الذين يتختمون بالذهب- كان على الرجل ثمانية وأربعين درهمًا؛ لأنهم في فئة الأغنياء والأثرياء, وكان على أوساطهم من التجار على رأس كل رجل أربعة وعشرين درهمًا في السنة, وعلى الأكرة -وهم الفلاحون وسائر من بقي منهم- اثن عشر درهمًا, وهذا معناه أن الجزية كانت متفاوتة في مقدارها فالأثرياء جدًّ عليهم 48 درهمًا في السنة، والمتوسطون 24 درهمًا، والأقل ثراءً وتوسطً عليهم 12 درهمًا, فكان هذا يتمشى مع حالة الفرد أو حسب دخل الفرد وثرائه.
وتمّ التنظيم المالي لبلاد الجزيرة الفراتية على نفس الأسس التي تقررت في أرض السواد، من حيث مراعاة العدالة الإسلامية, وكذلك الأحوال المالية لتلك النواحي.
وفي ولايات الشام اتبع المسلمون في تقرير الجزية والخراج نفس الأسس التي اتبعوها في بلاد الجزيرة الفراتية؛ لتشابه الأحوال في كل منهما، من حيث تبادل سيادة الفرس والبيزنطيين عليهما.
وبالنسبة لمصر أو الولاية المصرية كانت جباية الجزية في مصر تختلف من مكان إلى آخر, حسب إمكانية كل فرض؛ ذلك أن صاحب "إخنا" جاء إلى عمرو بن العاص وطلب منه تقرير حدّ ثابت للجزية -يعني تقرير حدّ معين للجزية ومبلغ معين للجزية- ليصبح كل فرد ملتزمًا بها دون نظر إلى حالته المالية, ولكن عمرو بن العاص رفض ذلك بشدة، مبينًا أن هذا التحديد أمر غير عملي, وأن