والآخر وهو الشطر الأعلى الذي اشتهر باسم أرض الجزيرة الفراتية, واشتملت على الأراضي الممتدة بين دجلة والفرات.
وبعث الخليفة عمر بن الخطاب خبيرين لمسح أرض السواد -أي: سواد العراق- وتقدير ما يجب أن تدفعه من الخراج عن الأرض الزراعية والجزية عن أهل الذمة بها، وقام بهذا العمل خبيران من خبراء المسلمين هما عثمان بن حنيف، وحذيفة بن اليمان, اللذان استعانا بأهل البلاد لمعرفة النظم التي سبق للساسانيين فرضها على تلك النواحي, وكان الساسانيون -أي الحكام السابقون لتلك البلاد قبل أن يفتحها المسلمون- يفرضون الخراج على ما يعصم الناس والبهائم، وهو الحنطة -أي: القمح, والشعير، والأرز, والكرم أي: العنب, والرطاب أي: البلح, والزيتون- وكذلك على كل نخل حديقة -أي: البساتين- وكان مقدار هذا الخراج يقدر على أساس المساحة.
وتولى الدهّاقون -وهم رؤساء القرى- جمع هذا الخراج, بحيث جعلوا الغرم يقع على صغار الملاك دون الكبار, وفرض الساسانيون أيضًا جزية جعلوها على أربع درجات بحيث أعفي منها أهل البيوتات، والعظماء، والمقاتلة، والكتاب, ومن كان في خدمة الملك, ووقع غرمها على العامة أصحاب الدخل البسيط, وهذا ظلم لا يرضاه الإسلام, فقد كفل هذا النظام الإسلامي العدالة في جمع الخراج, وإزالة الاستثناءات التي سبق أن فرضها الساسانيون على صغار الملاك، وتحققت المساواة في ظل النظام الإسلامي المالي, وتدعمت المساواة في ظل النظام المالي الإسلامي في تقرير الجزية على الذكور البالغين فقط, من دون النساء، والأطفال، والمسنين, وذلك بمقدار 48 درهمًا و 24 درهمًا و 12 درهمًَا في السنة حسب دخل الفرض وثرائه, ودون استثناء.