وقرر الخليفة عمر بن الخطاب لكل فرد بعد تجربة عملية رزقًا شهريًّا، قدره جريبين من الطعام, والجريب هو كيل من المكيلات التي يكال بها الحبوب, وذلك للرجل، والمرأة، والمملوك، والطفل أيضًا, وصار من الطرائف في هذا الأمر أن المرء إذا أراد أن يدعو على صاحبه قال له: "قطع الله عنك جريبيك" يعني: الكمية من الطعام التي كانت تعطى له من بيت المال.
وحرص الخليفة عمر على أن يحمل بنفسه عطاء بعض القبائل ويوزعه عليهم, فلا يغيب عنه امرأة بكر ولا ثيب فيعطيهن في أيديهن, وصار العطاء خير نموذج عملي لقوة النظام المالي في الإسلام, وعدالة قواعده ودقتها في نفس الوقت.
واقتضى التطور في الموارد والعطاء على عهد عمر بن الخطاب الاهتمام بالتنظيم المالي للولايات، باعتبارها المصدر الرئيسي الذي استمد منه هذا التطور مقوماته ومعالمه, وتجلى في هذا التنظيم مدى ما اتسم به النظام المالي الإسلامي من مرونة، وقدرة على النهوض بأحوال الولايات؛ حتى صارت تكون الصرح الشامخ لما سماه الفقهاء "دار الإسلام" وكان لكل ولاية إدارتها المالية بعمالها الخبيرين بمرافقها القديمة, القادرين على بعث ماء الحياة فيها, بما يتفق والنظام الإسلامي وعدالته.
وتتضح تلك الحقيقة في الولايات الكبرى الثلاث للدولة الإسلامية إذ ذاك، وهي العراق، والشام، ومصر, فالنبسة لولاية العراق انقسم العراق من حيث التنظيم المالي قسمين:
أحدهما: هو الشطر الجنوبي الذي اشتهر باسم السواد، واشتمل على الأراضي الخصبة.