الحادثة الثالثة شبيهة بالثانية: إلى حد كبير، وهي تضمين الصناع، على معنى أنَّ الصانع الذي يأخذ القماش مثلاً لتصنيعه إذا تلف عنده، هل يضمن؟ أو لا يضمن؟

الحديث يقول: «لاَ ضَمَانَ عَلَى مُؤْتَمَنٍ» (?) وهو حديث ضعيف الإسناد، لم يأخذ به بعض الأئمة الفقهاء، وأخذ به بعضهم، ثم إنَّ المؤتمن هو الذي يأتمنه الناس، ويشتهر بينهم بالأمانة، وظل الناس أمناء مؤتمنين في عهد الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعهد أبي بكر وعمر وعثمان، حتى إذا كان عهد عليٍّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - ظهر خراب الذمم، وأصبحوا - كما هو الحال في بعض البلاد اليوم - يفتعلون حريقاً أو كسر باب، ويدَّعُون التلف أو السرقة، وهم في الحقيقة لصوص، فقضى عليٌّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - بتضمين الصناع الذين يتهمون، وبعدم تضمين من أقام الدليل على أنه ضاع أو هلك رغماً عنه.

عجبٌ أنْ يقال: إنَّ عليَاً - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - بهذا خالف حديث رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

الحديث على فرض صحته لم يقل: «لا ضمان على الصناع» وإنما قال: «لاَ ضَمَانَ عَلَى مُؤْتَمَنٍ» وعليٌّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - لم يضمن الأمين المؤتمن، فكيف يقال: إنه حكم باجتهاده حكماً يغاير ما حكم به الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟

وما الهدف من هذا الاستنباط الغريب؟

هو أنْ يستبيح الباحث لنفسه أنْ يجتهد ويخالف أوامر رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في المعاملات كلها بحيث لا يلتزم إلاَّ بما جاء في القرآن الكريم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015