وسئل عن الإبل الضالة يجدها المسلم. أيلتقطها أم يتركها؟ وكانت الإبل في تلك الأيام آمنة مأمونة، لا يقدر عليها الذئب، وهي قادرة على المشي الطويل دون تعب، فقد وهبها الله خُفاً لا يغوص في الرمال، حتى سميت سفينة الصحراء، وهي صابرة على العطش حتى تجد الماء، وهي ترعى العشب الصغير وفروع الشجر العالي، والناس أمناء، لا يمد أحدهم يده على مال غيره، أمام هذه الظروف قال له: «دَعْهَا؛ فَإِنَّ مَعَهَا وَحِذَاءَهَا وَسِقَاءَهَا، تَرِدُ الْمَاءَ وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ حَتَّى يَجِدَهَا صَاحِبها».

والحديث واضح في أنَّ الفرق بين الغنم وبين الإبل عدم الأمن على الأولى، والأمن على الثانية، والتعليل صريح لكل من النوعين، ويقول العلماء: إنَّ الحكم المُعلَّلَ بعلة يتغيَّرُ إذا تغيَّرَتْ العلة، فإذا قلتُ لابني: التحف: لأنَّ الجو بارد، فالتَحَفَ في الجو البارد، ثم لم يلتَفَّ في الصيف في شدَّة الحرارة لا يقال: إنه خالف الأمر؛ لأنَّ معنى الأمر التحف إذا كان الجو بارداً ولا تلتحف إذا كان الجو حاراً، فهو منفذ للفظ الأمر في الحالة الأولى، إذ لو سألتني: هل أمره بالالتحاف في الحر؟ لقلت: لا؟

هذا الذي حصل بالنسبة للحديث. معناه: لا تلتقط الإبل الضالة ما دمت آمنة، ومفهومه، التقطها إذا كانت غير آمنة أو غير مأمونة، ولو سئل رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أنتركها إذا تعرَّضت للهلاك؟ لقال: لا. بل التقطها حينئذ، وعمل المسلمون بلفظ الحديث زمن الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وزمن أبي بكر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015