الثانية: أن الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يدخل في المفضّل عليه «أَعْلَمُ» دخولاً أولياً، أي أنتم أعلم مني.
الثالثة: أنَّ غير الأعلم لا يصدر أوامره ونواهيه إلى الأعلم فيما هو فيه أعلم، فلو أنَّ المخاطبين والأمَّة الإسلامية أعلم منه - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بأحكام البيع والشراء والربا والهبة والشركة واللقطة والكفالة والوكالة والشُفعة والاستقراض والنكاح ما أصدر أوامره ونواهيه إليهم في هذه المعاملات؛ أما وأنه أصدر فهو أعلم فيما أصدر، وليس هذا مما هم فيه أعلم.
الرابعة: أنَّ الإيمان يفرض علينا أنْ نعتقد أنَّ الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حكيم، يضع الأمور في نصابها، ولا يتدخل فيما لا يخصه، ولا يحشر نفسه فيما لا يعنيه، لقد ظن حين تدخل في تأبير النخل أنه بذلك يغرس فيهم أنَّ الله هو الفاعل لكل شيء، وأنَّ الواجب عدم الاعتماد على الأسباب ونسيان الله، ظن أنه بذلك يوجِّهُهُم إلى الله، وكان من الممكن أنْ تحمل الريح دقيق الذكورة إلى الأنوثة، كما هو الشأن في تلقيح بعض الثمار، ولِمَ لاَ؟ والقدرة الإلهية جعلت مريم تحمل من غير ذكر أصلاً، لكن المشيئة العليا قضت ذلك لحكمة، كأنها تقول له: دع مثل هذه الأمور، فليست من مُهِمَّتك، وَدَعْ الناس يتنافسون في صنائعهم، ويجتهدون في الترقي بشؤون معاشهم، معتمدين على الأسباب، فالله خالق السبب والمُسبّب جميعاً.
ومنذ هذا أمسك - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن هذا النوع، فلم يتدخَّل في شؤون الزراعة، فلم يسألهم ثانية: لم تحرثون؟ ولا: لم تسمدون؟