ولا: لِمَ تختارون وقت كذا الزراعة كذا؟ ولا شيئاً من ذلك لأنه قال لهم عنه: «أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِشُؤُونِ دُنْيَاكُمْ».
فهل لو قصد دخول المعاملات في هذا أكان يتدخَّل فيها؟ ويأمر وينهى؟
لقد تدخَّل في المعاملات صغيرها وكبيرها، ورسم لهم صحيحها من باطلها، وحلالها من حرامها، كان يذهب إلى السوق بنفسه يرى ويسمع ويوجِّهُ:
«الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا».
«لاَ تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إِلاَّ سَوَاءً بِسَوَاءٍ».
«مَنْ أَسْلَفَ فِي شَيْءٍ فَفِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ».
«مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ وَإِذَا أُتْبِعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَتْبَعْ».
«مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيْرٌ أَوْ إِنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ إِلَّا كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ».
«لاَ يَمْنَعَ جَارٌ جَارَهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَةً فِى جِدَارِهِ» (?).
وهكذا عشرات الأحاديث فيكل معاملة، مما لا يدع مجالاً للشك في أنَّ المعاملات مما تعنيه هو في رسالته - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وليست مما قال فيها: «أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِشُؤُونِ دُنْيَاكُمْ».
الخامسة: أنَّ الأعلم لا يستجيب عادة ولا يخضع ولا يُنّفِّذُ كل متطلَّبات غير الأعلم، فلو كانوا أعلم بشؤون المعاملات منه - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لتوقَّفُوا ولو مرة، وقالوا: نحن أعلم بشؤون دنيانا.
هذا، وفَهْمُ المخاطبين من الحديث أساس في تحديد المراد منه.