بِنِطَعٍ - بِسَاطٌ مِنْ جِلْدٍ -، فَبَسَطَهُ، ثُمَّ دَعَا بِفَضْلِ أَزْوَادِهِمْ. قَالَ: فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَجِيءُ بِكَفِّ ذُرَةٍ. قَالَ: وَيَجِيءُ الآخَرُ بِكَفِّ تَمْرٍ. قَالَ: وَيَجِيءُ الآخَرُ بِكَسْرَةٍ ... قَالَ: وَجَاءَ ذُو النَّوَاةِ بِنَوَاهُ. قِيلَ لَهُ: وَمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ بِالنَّوَى؟ قَالَ: كَانُوا يَمُصُّونَهُ وَيَشْرَبُونَ عَلَيْهِ الْمَاءَ ... » (?).
فهل قوم بهذه الحالة تنكر عليهم أنْ يلعقوا أصابعهم آنيتهم؟.
رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في وقت السلم، وفي إقامته في الحاضرة - المدينة - يَتَوَضَّأُ بِالمُدِّ - أي بحفنة واحدة - من الماء، ويغتسل بالصاع (?) - أي بأربع حفنات من الماء، ويستجمر بالحجارة قبل الاستنجاء لِيُقَلِّلَ بقدر الإمكان كمية الماء.
ولو أنه - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عاش في زمننا، وأمامه صنبور الماء الساخن، وصنبور الماء البارد وصنبور الصابون السائل، ورف الصابون الجامد، وأنواع المُجَّفِّفَاتِ الهوائية ما لعق الأصابع، ولا أمر بلعقها، وما حَثَّ على لعق الإناء وبجواره غَسَّالَةُ الأطباق.
ولو أنه - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عاش في زمننا، وفي بيئتنا لاغتسل تحت الدش بأكثر من مائة صاع وَدَلَكَ جِسْمَهُ مَرَّاتٍ وَمَرَّاتٍ بمختلف أنواع الشَّامْبُو والمُرَطِّبَاتِ الجِلْدِيَّةِ ذات الروائح العطرية.
فالظروف والملابسات وَالمُتَغَيِّرَاتُ جزء من الحكم، بل هي أساسية ومقتضياته.
وكان رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وصحابته يُعِدُّونَ سلاحهم لِمُلاَقَاةِ الأَعْدَاءِ، فَيُسَوُّونَ النبل ويحدون السيف، ويقيمون الرمح، ويربطون الناقة والفَرَسَ والبغال في سبيل الله.
ولو أنه - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عاش في زمننا أكانت شريعة إعداد القوة هي تلك التي كانت؟ أم كانت ستتحول إلى الطائرات والسيارات المُصَفَّحَةِ والدَبَّابَةِ والصاروخ، بل والقنبلة الذرية؟ وكافة التكنولوجيا الحربية الحديثة؟.
إنَّ مشكلة الإسلام في بعض أهله الجَامِدِينَ المُتَزَمِّتِينَ المُتَنَطِّعِينَ رَمْزَ التَخَلُّفِ، وَعُبَّادِ الصورة والظاهر، يأكلون بأصابعهم وأَكُفِّهِمْ في وسط قوم لا يلامس الطعام أيديهم، يلعقون أصابعهم أمام قوم يَشْمَئِزُّونَ من هذا المنظر، وقد يصابون بالمرض أو الغثيان.
وَإِنْ أَنْسَ لاَ أَنْسَى يَوْمًا دُعِِيتُ فيه للغذاء لأول مَرَّةٍ في نَجْدٍ عند قوم، سَنَةَ ثلاثٍ وخمسين وتسعمائة وألف من الميلاد، فَوُضِعَتْ أمامي على الأرض صَحْفَةٌ كبيرة، عليها كومة من الأرز، فوقها الضأن كاملاً، وحول الصَحْفَةِ أطباق صغيرة بكل منها سائل