للصلاة، أفلا يشرع على لسان نَبِيِّهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لعق الأصابع؟ أليس لعق الأصابع في هذه الحالة أرقى عمل إنساني يحصل أكبر قدر ممكن من النظافة؟.
وَهَبْ أنك في هذه الحالة ليس معك إلاَّ إناء واحد، ستأكل فيه مَرَّةً وَمَرَّةً وَمَرَّةً فأكلت منه القرع ظُهْرًا، وستضع فيه القرع في الليل، ولا ماء تغسله. هل تبقيه مع بقايا طعامه يجمع الأتربة والهوام؟ أو تلعقه بعد الأكل بأصابعك ولسانك وشفتيك؟.
ماذا في لعق الإناء حينئذٍ؟ ألست تثاب على فعلك هذا حيث إنه نظافة؟ لو أنَّ الإناء تكلم أَيَمْدَحُكَ أَمْ يَذُمُّكَ؟ أيستغفر لك أم يدعو عليك؟.
إنَّ استقذارنا لِلَعْقِ الأصابع بعد الأكل عُرْفٌ وَعَادَةٌ، وإلاَّ فلا فرق بين لعق الأصابع مَرَّةً واحدة في نهاية الأكل ولعق الملعقة في كل مَرَّةٍ ذَهَابًا وَجِيئَةًً حتى سميت الآلة باسم اللعق (ملعقة) بقايا الطعام الذي فوق الأصابع هو بقايا الطعام الذي فوق الملعقة، وهو نفس الطعام الذي تناولناه بشغف وشهية. لكن لِلْعُرْفِ والعادة احترامهما شَرْعًا. وما يستقذره الناس ينبغي اجتنابه حيث لا ضرورة، فمراعاة مشاعر الآخرين من أهم مطالب الإسلام، ومن أبرز مقاصده وأهدافه، لكن الضرورات تبيح المحظورات، واحتمال أخف الضررين واجب، ولعق الأصابع مع قبح المنظر أخف ضَرَرًا من بقاء الدسم عليها وتلويثها مَا تُصِيبُهُ حيث لا مَاءَ.
ولقد جَرَّبْتُ هذه الأزمة، وَمَرَرْتُ بمثل هذه الحالة حين تَاهَتْ بنا السيارة في صحراء نَجْدٍ ولم يبق معنا من الزاد والماء سوى عُلْبَةٍ وَاحِدَةٍ صَغِيرَةٍ من الخضار المحفوظ اشتركنا نحن الخمسة في التقاط حباتها من الإناء غير المغسول، وتسابقنا في لعق إنائها بأصابعنا، ثم بشفاهنا وَأَلْسِنَتِنَا، وأدركنا قيمة هذه اللعقة، لا من حيث النظافة فحسب بل ومن حيث ما نحصل عليه بها من طعام، وَتَذَكَّرْنَا ما قرأناه عن صحابة رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من أنهم كانوا يحملون معهم في سفرهم وغزواتهم النَّوَى - نوى التمر - في أكياس، يَمُصُّونَهُ عند الجوع، فقد روى " مُسْلِمٌ " عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: لَمَّا كَانَ غَزْوَةُ تَبُوكَ أَصَابَ النَّاسَ مَجَاعَةٌ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، لَوْ أَذِنْتَ لَنَا فَنَحَرْنَا نَوَاضِحَنَا - أَيْ إِبِلَنَا -، فَأَكَلْنَا وَادَّهَنَّا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «افْعَلُوا»، قَالَ: فَجَاءَ عُمَرُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنْ فَعَلْتَ قَلَّ الظَّهْرُ، وَلَكِنْ ادْعُهُمْ بِفَضْلِ أَزْوَادِهِمْ، ثُمَّ ادْعُ اللهَ لَهُمْ عَلَيْهَا بِالْبَرَكَةِ، لَعَلَّ اللهَ أَنْ يَجْعَلَ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَعَمْ»، قَالَ: فَدَعَا