طَلَبًا غير جازم، يثاب فاعله، ولا يعاقب تاركه، فيقال مثلا: ركعتان قبل صلاة الصبح سُنَّةٌ وركعتا تحية المسجد سُنَّةٌ، وهذا المعنى هو المراد من قول ابن عباس: «لَيْسَ بِسُنَّةٍ» فيما رواه الامام أحمد في " مسنده " عن أبي الطفيل. قَالَ: قُلْتُ لابْنِ عَبَّاسٍ: «يَزْعُمُ قَوْمُكَ أنَّ رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَمَلَ بِالْبَيْتِ، وأنَّ ذلك سُنَّةٌ؟». فَقَالَ: «صَدَقُوا، وَكَذَبُوا». قلتُ: «مَا صَدَقُوا؟ وَمَا كَذَبُوا؟». قال: «صَدَقُوا. رَمَلَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْبَيْتِ، وَكَذَبُوا. لَيْسَ بسُنَّةٍ، إِنَّ قُرَيْشًا قَالَتْ: دَعُوا مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ - زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ - حَتَّى يَمُوتُوا مَوْتَ النَّغَفِ (*)، فَلَمَّا صَالَحُوهُ عَلَى أَنْ يَقْدِمُوا مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ، وَيُقِيمُوا بِمَكَّةَ ثَلاثًةَ أَيَّامٍ، فَقَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْمُشْرِكُونَ مِنْ قِبَلِ [قُعَيْقِعَانَ] ( ... )، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ارْمُلُوا بِالْبَيْتِ ثَلاثًا» (**) وَلَيْسَ بِسُنَّةٍ. قلتُ: ويزعم قومك أنه طاف بين الصفا والمروة على بعير؟ وأنَّ ذلك سُنَّةٌ؟ فقال: صدقوا، وكذبوا، فقلت: وما صدقوا؟ وما كذبوا؟ فقال: صدقوا قد طاف بين الصفا والمروة على بعير، وكذبوا ليس بسُنَّة، كانوا لا يدفعون عن رسول الله ولا يصرفون عنه، فطاف على بعير، ليسمعوا كلامه، ولا تناله أيديهم. قلت: ويزعم قومك أنَّ رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سعى بين الصفا والمروة، وأنَّ ذلك سُنَّة؟ قال: صدقوا .. الحديث (?).
فابن عباس أراد بِالسُنَّةِ مَا هُوَ مَطْلُوبٌ شَرْعًا يُثَابُ فَاعِلُهُ، فنفى أَنْ يكون الرمل في الطواف سُنَّةٌ مُلْزِمَةٌ مطلوبة يثاب عليه، وهو رأي لابن عباس، وعلى خلافه جمهور الفقهاء، إذ يرون أنه مستحب، لحديث ابن عمر الذي رواه " البخاري " و " مسلم ".
والمقصود هنا أَنَّ ابن عباس استعمل لفظ السُنَّةِ في المطلوب شَرْعًا، ولم يرد به السُنَّة عند الأُصُولِيِّينَ، وَالمُحَدِّثِينَ [أَقْوَالُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَفْعَالُهُ وَتَقْرِيرَاتُهُ] فأثبت فعل النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَفَى أَنَّهُ سُنَّةٌ، فمن شاء رمل، ومن شاء لم يرمل.
والسُنَّة عند الأُصُولِيِّينَ [أَقْوَالُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَفْعَالُهُ وَتَقْرِيرَاتُهُ] وَالمُحَدِّثُونَ يزيدون على هذه [وَصِفَاتُهُ الخَلْقِيَّة وَالخُلُقِيَّة] فهي عندهم تساوي الحديث المرفوع.
أما لفظ التشريع فهو الحكم الشرعي لكل فعل من أفعال المُكَلَّفِينَ، سواء أكان الحكم هو الوجوب أم الحرمة أم الندب أم الكراهة أم الإباحة.
وَلاَ شُبْهَةَ فِي أَنَّ الحرمة والوجوب والكراهة والندب حكم شرعي، إنما قد توجد