مرضي عنه - وكل من طرفي المباح مرضي عنه - ويستحيل أن يفعل الرَّسُولُ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِعْلاً لاَ يَرْضَى عَنْهُ اللهُ، ثم يتركه اللهُ دون توجيه لما يرضيه، وبعبارة أخرى: كل فعل من أفعاله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إما أن يكون مُوَافِقًا لِمَا شَرَّعَهُ اللهُ لِلْمُسْلِمِينَ، وُجُوبًا أَوْ نَدْبًا أَوْ إِبَاحَةً وَحِينَئِذٍ ينزل جبريل - عَلَيْهِ السَّلاَمُ -، وَيُقِرُّهُ صَرَاحَةً، أو يسكت عنه، فيكون إِقْرَارًا سُكُوتِيًا، ويكون شَرْعًا للمسلمين، حيث لم يعدل هذا الحكم حتى لحق الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بربه، لأنه تعالى أمرهم أن يقتدوا به - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في أفعاله {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} (?).
وإما أن يكون غير موافق لما شرعه اللهُ للمسلمين، فيستحيل سكوت الله عليه ويعدل قَطْعًا بوسيلة من الوسائل، بالإلهام، أو بالمنام، أو بالاجتهاد، أو بالوحي الصريح.
سواء في ذلك الفعل الذي صدر منه - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالإلهام، أو بالاجتهاد، أو حتى بالطبيعة وَالجِبِلَّةِ أو العادة وَالعُرْفِ.
وكان الصحابة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ - يؤمنون بذلك، لبس نعله في الصلاة فلبسوا نعالهم، فلما خلع نعله - لسبب لا يعلمونه - خلعوا نعالهم، فَلَمَّا قَضَى صَلاَتَهُ قَالَ لَهُمْ: «مَا حَمَلَكُمْ عَلَى إِلْقَاءِ نِعَالِكُمْ؟»، قَالُوا: رَأَيْنَاكَ أَلْقَيْتَ نَعْلَيْكَ، فَأَلْقَيْنَا نِعَالَنَا. قَالَ: «إِنَّ جِبْرِيلَ أَتَانِي فَأَخْبَرَنِي أَنَّ فِيهِمَا قَذَرًا - أَوْ قَالَ: أَذًى» (?). ونزل - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضيفًا على أبي أيوب الأنصاري فتكلفوا له طعامًا، فيه بعض البقول (الثوم) فكره أكله، أكل من غيره، ولم يمد يده إليه فلم يمدوا إليه أيديهم، فقال لأصحابه: «كُلُوا، فَإِنِّي لَسْتُ كَأَحَدِكُمْ، إِنِّي أَخَافُ أَنْ أُوذِيَ صَاحِبِي» (?).
ودخل خالد بن الوليد مع رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على ميمونة بنت الحارث الهلالية زوجة رَسُولِ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهي خالة خالد، وخالة ابن عباس - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ - فوجد عندها ضَبًّا (?) مَحْنُوذًا - أَيْ مَشْوِيًّا - قدمت به أختها حُفَيْدَةَ بِنْتَ الحَارِثِ مِنْ نَجْدٍ، فَقَدَّمَتْ الضَبَّ لِرَسُولِ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ قَلَّمَا يُقَدِّمُ يَدَهُ لِطَعَامٍ حَتَّى يُحَدَّثَ بِهِ، وَيُسَمَّى لَهُ، فأهوى رَسُولُ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يده إلى الضب، فقالت امرأة من النسوة الحضور: أَخْبِرْنَ رَسُولَ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا قَدَّمْتُهُنَّ لَهُ. هُوَ الضَبُّ يَا رَسُولَ اللهِ. فَرَفَعَ رَسُولُ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدَهُ عَنْ الضَبِّ فَلَمْ يَمُدَّ خالد بن الوليد يده، وقال: أحرام الضب يا رسول الله؟ قال: «لاَ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ