إنسان مراقب من الله، محاسب على ما يفعل، مِصْدَاقًا لقوله تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} (?).

فكيف تفلت أفعال محمد - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من المراقبة والتوجيه؟ وهو الذي أُمِرَتْ الأُمَّةُ بطاعته والاقتداء به؟ كيف نقول: إِنَّ فِعْلاً مِنْ أَفْعَالِهِ لا يخضع للرقابة والتوجيه؟ وهو الذي حُوسِبَ وَعُوتِبَ على أنه امتنع عن كل طعام يحبه، إرضاء لأزواجه؟ فَنَزَلَ فِيهِ قُرْآنٌ يُتْلَى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ، قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} (?).

كَيْفَ نَقُولُ: إِنَّ فِعْلاً مِنْ أَفْعَالِهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يخضع للرقابة والتوجيه؟ وهو الذي حُوسِبَ وَعُوتِبَ على عوارض انفعالاته؟ وَتَجَهَّمَ وَجْهُهُ فِي مُلاَقَاةِ أَعْمَى لاَ يَرَاهُ؟ ولا يتأثر بعبوسه؟ فَنَزَلَ فِيهِ قُرْآنٌ يُتْلَى {عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى (2) وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى (4) أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى (5) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (6) وَمَا عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّى (7) وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى (8) وَهُوَ يَخْشَى (9) فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى (10) كَلاَّ إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ (11)} (?).

كَيْفَ نَقُولُ: إِنَّ فِعْلاً مِنْ أَفْعَالِهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يخضع للرقابة والتوجيه؟ وهو الذي حُوسِبَ وَعُوتِبَ على خلجات قلبه؟ ودواخل نفسه، فَنَزَلَ فِيهِ قُرْآنٌ يُتْلَى {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ} (?).

أليست هذه الأفعال قد صدرت منه - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بصفته البشرية؟ أليس الإقبال على طعام والامتناع عنه ما دام مُبَاحًا أَمْرًا من أمور الدنيا المحض؟ وَمِمَّا سبيله سبيل الحاجة البشرية؟

أليس العبوس عَارِضًا من العوارض الجِبِلِّيَّةِ والانفعالات البشرية؟ أليست خطرات النفس وما يدور بداخلها من الخواطر البشرية؟.

لكنها كلها خضعت لرقابة الوحي، وتوجيه الوحي، وهي مثال ودليل على أن كل أفعاله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مراقبة من فوق سبع سموات، خاضعة للوحي بالإقرار أو التعديل.

ثم إن المخالفين يتفقون معنا في أن رؤياه - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحْيٌ، وإلهامه - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحْيٌ واجتهاده - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَنْزِلَةِ الوَحْيِ، أي بعد أن يقر، وينزل جبريل - عَلَيْهِ السَّلاَمُ -، وتمر فترة تسمح بالتعديل، وهو بمنزل الوحي قَطْعًا ما لم يعدل حتى لحق - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالرفيق الأعلى.

إن الشافعي يُصَرِّحُ بأن كل فعل من أفعال المكلفين له حكم عند الله، وهذه عقيدة إسلامية، لأن أي فعل للمكلف إما أن يكون مَرْضِيًّا عنه من الله تعالى، وإما أن يكون غير

طور بواسطة نورين ميديا © 2015