والضحك مثلاً مبادئه التبسم، فإن انبسط الوجه حتى بدت الأسنان من السرور فهو الضحك، فإن كان بصوت بحيث يسمع من بعد فهو القهقهة، وَلَمْ يُسْمَعْ رَسُولُ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُقًهْقِهُ أبدًا، وَأَكْثَرُ مَا رُؤِيَ يَبْتَسِمُ، تَعَجُّبًا، أَوْ إِعْجَابًا، أَوْ مُلاَطَفَةً، وَقَلَّمَا ضحك حتى بدت نواجذه، أي أضراسه.
قال ابن بطال: «وَالَّذِي يَظْهَرُ مِنْ مَجْمُوعِ الأَحَادِيثِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي مُعْظَمِ أَحْوَالِهِ لاَ يَزِيدُ عَلَى التَّبَسُّمِ وَرُبَّمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَضَحِكَ، وَالمَكْرُوهُ مِنْ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ الإِكْثَارُ مِنْهُ، أَوِ الإِفْرَاطُ فِيهِ لأَنَّهُ يُذْهِبُ الوَقَارَ، وَالَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُقْتَدَى بِهِ مِنْ فِعْلِهِ مَا وَاظَبَ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ»، فَقَدْ رَوَى البُخَارِيُّ فِي " الأَدَبِ المُفْردِ " وَابْنُ مَاجَهْ [مِنْ وَجْهَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ] «لاَ تُكْثِرِ الضَّحِكَ فَإِنَّ كَثْرَةَ الضَّحِكِ تُمِيتُ القَلْبَ» الحَدِيثُ (¬70).
وهكذا يتبين أن الشبهات التي تعلق بها المُخَالِفُونَ شُبُهَاتٍ وَاهِيَةٍ، نشأ أكثرها من التباس الأمر عندهم بين التشريع العام الملزم المطلوب، والتشريع غير الملزم وغير المطلوب.
ولكنهم كلهم على اختلاف مناهجهم ينفون التشريع عن بعض أفعاله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، بل ينفون الرسالة عنه في بعض أفعاله، كلهم يقول ذلك، والفرق بينهم الأفعال التي تطبق عليها هذه الصفة.
فالشيخ شلتوت يطبقهاعلى ما سبيله الحاجة البشرية، كالأكل والشرب والنوم والمشي والتزاور، وما سبيله التجارب والعادة الشخصية أو الاجتماعية، وما سبيله سبيل التدبير الإنساني، أَخْذًا من الظروف الخاصة، لا يفرق في ذلك بَيْنَ مُحَرَّمٍ أَوْ مَكْرُوهٍ، أَوْ وَاجِبٍ أَوْ مَنْدُوبٍ، أَوْ مُبَاحٍ، ويقول: «وَكُلُّ مَا نُقِلَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَدُوِّنَ فِي كُتُبِ الحَدِيثِ مِنْ أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ وَتَقْرِيرَاتِهِ مِنْ هَذِهِ الأَنْوَاعِ الثَلاَثَةِ لَيْسَ شَرْعًا يَتَعَلَّقُ بِهِ الفِعْلُ وَالتَّرْكُ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنَ الشُؤُونِ البَشَرِيَّةِ التِي لَيْسَ مَسْلَكَ الرَّسُولِ فِيهَا تَشْرِيعًا وَلاَ مَصْدَرَ تَشْرِيعٍ» (?).
والدكتور النمر يطبقها على المعاملات المالية التي لم ترد في القرآن الكريم.
والدكتور القرضاوي - وهو أضيقهم دائرة في التطبيق - «يُطَبِّقُهَا عَلَى بَعْضَ أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، مِمَّا سَبِيلُهُ سَبِيلُ الحَاجَةِ البَشَرِيَّةِ، فَإِنَّهَا تَصْدُرُ مِنْهُ بِمُقْتَضَى البَشَرِيَّةِ المَحْضَ، وَلَيْسَ لَهَا - فِي رَأْيِهِ - أَيَّ صِفَةٍ تَشْرِيعِيَّةٍ». فكلهم ينفي التشريع من أساسه عن بعض أفعاله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ينفي أَنْ يكون في هذه الأفعال صَادِرًا عَنْ وَحْيٍ، أَوْ مُرَاقَبًا مِنْ وَحْيٍ، وكأن هذه الأفعال ليس لها حكم عند اللهِ، مع أننا نعتقد أن كل مؤمن، بل كل