المشروعية، أي على ما هو أكثر من الإباحة، تدل على الاستحباب أو الإرشاد في الأمر، وعلى الكراهية في النهي، وقد تدل على الإيجاب في الأمر، أو التحريم في النهي، تَبَعًا للقرائن. (?).

ونحن نغض الطرف عن هذا التَرَدُّدِ فِي العِبَارَةِ، ونعتبر هذا البحث - على أي حال - تَأْيِيدًا وَتَوْضِيحًا للقضية الأولى، وَرَدًّا وَتَفْنِيدًا للقضية الثانية، أَيًّا كَانَ قَائِلُهَا، ونعرض الشبهات الواردة في أبحاث المخالفين، وَنَرُدُّ عليها بما يثبت أَنَّ جميع أفعاله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تشريع إن شاء الله.

1 - يذكرون قولاً للإمام ابن قتيبة (?) وقولاً للإمام القَرَافِي (?) كأنهم يستأنسون أو يستدلون بأقوالهما، وَلاَ دَلِيلَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ وَلاَ أُنْسٌ. فماذا قال ابن قتيبة؟.

قال في " تأويل مختلف الحديث ": «وَالسُّنَنُ عِنْدَنَا ثَلاَثٌ: سُنَّةٌ أَتَاه جِبْرِيلُ - عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ - عَنْ اللهِ تَعَالَى، كَقَوْلِهِ: «لاَ تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا وَلاَ عَلَى خَالَتِهَا» (?)، وَالسُنَّةُ الثَّانِيَةُ سُنَّةٌ أَبَاحَ اللهُ لَهُ أَنْ يَسُنَّهَا، وَأَمَرَهُ بِاسْتِعْمَالِ رَأْيَهِ فِيهَا، فلَهُ أَنْ يَتَرَخَّصَ فِيهَا لِمَنْ شَاءَ، عَلَى حَسَبِ العِلَّةِ وَالعُذْرِ، كتحريمه الحَرِير عَلَى الرِّجَالِ، وَإذْنِهِ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بَنِ عَوْفٍ فِيهِ، لِعِلَّةٍ كَانَتْ بِهِ. وَالسُنَّةُ الثَّالِثَةُ مَا سَنَّهُ لَنَا تَأْدِيبًا، فَإِنْ نَحْنُ فَعَلْنَاهُ كَانَتْ لَنَا الفَضِيلَةُ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ نَحْنُ تَرَكْنَاهُ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْنَا إِنْ شَاءَ اللهُ، كَأَمْرِهِ فِي العِمَّةِ بِالتَّحَلِّي (أََيْ كَأَمْرِهِ فِي العِمَامَةِ بِتَطْوِيقِهَا تَحْتَ الحَنَكِ) (?).

فأنت ترى أن أقل الأقسام التي ذكرها - وَهِيَ قَضِيَّةٌ فِي اللِّبَاسِ وَهَيْئَتِهِ - قد جعلها تَشْرِيعًا يُثَابُ فَاعِلُهُ، وليس فيما قاله سُنَّةٌ غَيْرُ تَشْرِيعِيَّةٍ.

2 - وأما الإمام القرافي فيقول:

«تَصَرُّفَاتُهُ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهَا مَا يَكُونُ بِالتَّبْلِيغِ وَالفَتْوَى إجمَاعًا، وَمِنْهَا مَا يُجْمِعُ النَّاسُ عَلَى أَنَّهُ بِالقَضَاءِ، وَمِنْهَا مَا يُجْمِعُ النَّاسُ عَلَى أَنَّهُ بِالإِمَامَةِ، وَمِنْهَا مَا يَخْتَلِفُ العُلمَاءُ فِيهِ، لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ رُتْبَتَيْنِ فَصَاعِدًا، فَمِنْهُمْ مَنْ يَغْلِبُ عَلَيْهِ رُتْبَةٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَغْلِبُ عَلَيْهِ أُخْرَى.

ثم تَصَرُّفَاتُهُ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهَذِهِ الأَوْصَافِ تَخْتَلِفُ آثَارُهَا فِي الشَّرِيعَةِ، فَكُلُّ مَا قَالَهُ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ فَعَلَهُ عَلَى سَبِيلِ التَّبْلِيغِ كَانَ ذَلِكَ حُكْمًا عَامًّا عَلَى الثَّقَلَيْنِ إِلَى يَوِم القِيَامَةِ، فَإِنْ كَانَ مَأْمُورًا بَهِ أَقْدَمَ عَلَيْهِ كُلُّ أَحَدٍ بِنَفَسِهِ، وَكَذَا المُبَاحُ، وَإِنْ كَانَ مَنْهِيًّا عَنْهُ اجْتَنَبَهُ كُلُّ أَحَدٍ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015