الترك.

وبعدها يقول: «وَإِنَّمَا هُوَ مِنَ الشُّؤُونِ البَشَرِيَّةِ التِي لَيْسَ مَسْلَكَ الرَّسُولِ فِيهَا تَشْرِيعًا وَلاَ مَصْدَرَ تَشْرِيعٍ» (?). والدكتور النمر يقول في [ص 57]: «لاَ يُصْبِحُ مَا قَرَّرَهُ الرَّسُولُ بِاجْتِهَادِهِ حُكْمًا ثَابِتًا لِلأَبَدِ» فتظن أنه يعني القضية الأولى، وأنه يعني نفي استمرار الإلزام للأبد.

ثم ينفي في [ص 26] عن الأحاديث الكثيرة التي تتصل بمعاملات الناس أنها تخضع لوحي مباشر أو سكوتي أو إقراري، فتظن أنه يعني القضية الثانية، وأنه ينفي عنها التشريع أَصْلاً.

والدكتور القرضاوي يقول: «لِهَذَا كَانَ البَحْثُ المُهِمُّ هُنَا هُوَ بَيَانُ مَا يُعْتَبَرُ مِنَ السُنَّةِ تَشْرِيعًا يُكَلِّفُ النَّاسَ اتِّبَاعَهُ وَالعَمَلَ بِهِ، وَمَا لَيْسَ مِنْ بَابِ التَّشْرِيعِ وَالتَّكْلِيفِ» (¬52).

ويقول: «فَمَا كَانَ مِنْ هَذَا القَبِيلِ ... فَلَيْسَ مِنَ السُنَّةِ التَّشْرِيعِيَّةِ التِي يَجِبُ اتِّبَاعَهَا» (¬53).

فتظن أنه يعني القضية الأولى المُسَلَّمَةَ، وأنه يعني نفي الالتزام، ونفي التكليف ونفي وجوب الاتباع.

ويقول: «أَهَمُّ مَا يَجِبُ أَنْ نُنَبِّهَ عَلَيْهِ، وَنُلْفِتَ الأَنْظَارَ إِلَيْهِ هُوَ ضَرُورَةَ التَّدْقِيقِ، وَشِدَّةَ التَحَرِّي فِي التَّمْيِيزِ بَيْنَ مَا جَاءَ فِي السُنَّةِ لِلْتَّشْرِيعِ، وَمَا لَمْ يَجِيءَ لِلْتَّشْرِيعِ» (¬54).

ويقول: «إِنَّ بَعْضَ أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَتْ تَصْدُرُ عَنْهُ بِمُقْتَضَى البَشَرِيَّةِ المَحْضَ فَلَيْسَ لَهَا أَيَّ صِفَةٍ تَشْرِيعِيَّةٍ» (¬51).

فتظن أنه يعني القضية الثانية، محل النزاع، وأنه يعني نفي التشريع أَصْلاً.

ثم يناقض هذا الاتجاه، فيثبت أن أفعال الرَّسُولِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - التي سبيلها سبيل الطبيعة البَشَرِيَّةِ تفيد المشروعية، فهي تشريع، فيقول: «فَالفِعْلُ - أَيْ فِعْلَهُ - صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالنَّوْمِ وَالمَشْيِ وَالجُلُوسِ وَنَحْوِهَا - كَمَا ذَكَرْنَا مِنْ قَبْلُ - لاَ يَدُلُّ عَلَىَ أَكْثَرَ مِنَ المَشْرُوعِيَّةِ، وَلاَ يَدُلُّ عَلَىَ وُجُوبٍ وَلاَ اسْتِحْبَابٍ فِي نَفْسِهِ، كَمَا فِي قَضِيَّةِ الأَكْلِ بِاليَدِ وَمَا شَابَهَهَا، وَلَكِنْ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ تَشَبُّهًا بِالرَّسُولِ الكَرِيمِ، وَحُبًّا لِكُلِّ مَا صَدَرَ عَنْهُ فَهُوَ مُحْسِنٌ وَمَأْجُورٌ بِنِيَّتِهِ، كَمَا نَبَّهْنَا لِذَلِكَ مِنْ قَبْلُ، وَأَشَارَ إِلَيْهِ السَيِّدُ رَشِيدُ رِضَا فِي بَحْثِهِ» (¬55).

فهو هنا يُقَرِّرُ أَنَّ أفعاله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تدل على المشروعية، فهي تشريع.

أما أقواله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فهو يُقَرِّرُ - كما يُقَرِّرُ علماء الأصول - أنها تدل على أكثر من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015