وَرَهْنٍ وَإِجَارَةٍ وَقِرَاضٍ وَلُقَطَةٍ وَسَلَمٍ ... » الخ (?).

فالدكتور النمر لم يكتف بالمباح ليجعله مِنَ السُنَّةِ غَيْرِ التَّشْرِيعِيَّةِ، بَلْ أَدْخَلَ المُعَامَلاَتِ التِي لَمْ تَرِدْ فِي القُرْآنِ [وَ] فِي السُنَّةِ غَيْرِ التَّشْرِيعِيَّةِ، وَلَمْ يُفَرِّقْ في ذلك بين واجب أو مندوب أو مباح، بل ولا بين مُحَرَّمٍ أو مكروه، فحكم على ما يقرب من نصف السُنَّةِ بأنه غير تشريع.

وَقَدْ رَدَدْتُ عليه في بحث بعنوان: " السُنَّةُ وَالتَشْرِيعُ " (*)، نشر في " مجلة مركز بحوث السنة والسيرة " بجامعة قطر - العدد الثاني، ولا حاجة بنا هنا للرد عليه، فهذا البحث سأخصه بالمباحات مما سبيله الحاجة البشرية، لأثبت أن أقواله وأفعاله وتقريراته - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِمَّا سَبِيلُهُ العَادَةُ أَوْ الحَاجَةُ البَشَرِيَّةُ كُلُّهَا تُعْطَى حُكْمًا شَرْعِيًّا، أَقَلُّهُ الإِبَاحَةُ وَرَفْعِ الحَرَجِ.

أما ولي الله الدهلوي فلم يُقَسِّمْ السُنَّةَ إلى تشريع وإلى غير تشريع، وإنما قَسَّمَهَا من حيث طلب الاتباع وعدم الاتباع، من حيث طلب الفعل والترك، أو عدم طلب الفعل والترك، إلى ما سبيله تبليغ الرسالة وإلى ما ليس من باب تبليغ الرسالة، وجعل من الأخير ما فعله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على سبيل العادة دون العبادة، فهو في الحقيقة لا يدخل تقسيمه في مجال بحثنا، وغاية ما قاله أن بعض ما فعله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليس من باب تبليغ الرسالة، لكن هل هو تشريع، يرفع الحرج عن هذا الفعل؟ أو ليس تَشْرِيعًا؟ لم يتعرض لهذا الموضوع، وتعبيره بعد أن ذكر أمثلة (لَيْسَ مِنَ الأُمُورِ اللاَّزِمَةِ لِجَمِيعِ الأُمَّةِ) ونحن لا نقول: إن المباح من الأمور اللازمة.

أما الدكتور عبد الحميد متولي فقد اعتمد اعْتِمَادًا أَسَاسِيًا وَكُلِّيًّا عَلَى كَلاَمِ الشيخ شلتوت، وَلَمْ يُقَدِّمْ دَلِيلاً وَاحِدًا يمكن مناقشته، بل لم يأت بجديد.

وأما الدكتور محمد سليم العوا فقد عرض ما قاله ولي الله الدهلوي، وعرض تقسيم ابن قتيبة والقرافي لِلْسُنَّةِ - وَسَنَعْرِضُهُمُا قََرِيبًا - ثم تعرض لموقف الصحابة من بعض السُّنَنِ المَرْوِيَّةِ عَنْ الرَّسُولِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وكان كل حرصه أن يصل إلى أَنَّ بَعْضَ السُّنَنِ (أي بعض أقواله وأفعاله وتقريراته - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ تَكُنْ شَرْعًا لازمًا عَامًّا فِي كُلِّ الأَحْوَالِ.

وأحدث من كَتَبَ في موضوعنا بإسهاب، وتولى العرض بحماس، ونادى بصوت عَالٍ عَنْ وُجُودِ سُنَّةٍ غَيْرَ تَشْرِيعِيَّةٍ الدكتور يوسف عبد الله القرضاوي في مقاله (الجَانِبُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015