التشريعي في السُنَّةِ النبوية) نشر في " مجلة بحوث السنة والسيرة " بجامعة قطر - العدد الثالث 1988 م.

وقبل مناقشة ما جاء في هذا المقال أقرر أن هناك قضيتين مختلفتين تَمَامًا، الأولى تقول: بعض أفعاله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْسَتْ تَشْرِيعًا مُلْزَمًا، أَيْ لَيْسَ مَطْلُوبًا الاقتداء بها، وهذه قضية مُسَلَّمَةٌ، ففعله المباح والجائز ليس مَطْلُوبًا الاقتداء به، بل قد يفعل خلاف الأَوْلَى لبيان الجواز، فلا يلزم اتباعه فيه، ليس فيما جَرَتْ به العادة وما سبيله الحاجة البشرية فحسب بل فيما هو من العبادة، أو وسيلة العبادة، فقد اغتسل - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هو وعائشة - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - عاريين يغترفان من إناء واحد، تختلف أيديهما فيه يسابقان في الاغتراف، حتى تقول له: «دَعْ لِي، دَعْ لِي» (?).

وَتَجَرُّدُ الزوجين من ثيابهما عند الغسل أو عند الجماع جائز، لكنه خِلاَفُ الأَوْلَى فَلَيْسَ مَطْلُوبًا الاقْتِدَاءُ بِهِ. واعتزل رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نساءه شَهْرًا في مشربة في المسجد، لا يدخل عليهن بيوتهن (?)، لَمَّا أَغْضَبْنَهُ غَضَبًا كَبِيرًا، وهو الحليم الصابر الرؤوف الرحيم الذي تحمل من قومه الأذى أضعاف أضعاف ما لقي من زوجاته، وكان يقول: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ»، فالاعتزال مشروع، لَكِنَّهُ لَيْسَ مَطْلُوبًا الاقْتِدَاءُ بِهِ.

ولم يضرب رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بيده امرأة له ولا خَادِمًا قَطُّ (?)، وليس مَطْلُوبًا الاقْتِدَاءُ بِهِ فِيهِ، فالضرب للتأديب مشروع.

وَكَانَ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَوَضَّأُ بِالمُدِّ (?) (بحفنة ماء واحدة) وغيره يتوضأ بعشر حفنات ويغتسل - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من الجنابة بِصَاعٍ (أربع حفنات) وغيره يغتسل بعشرين حفنة، وَلَيْسَ مَطْلُوبًا الاقْتِدَاءُ بِهِ في ذلك، ولكن فعله تشريع.

وَكَانَ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي في الليل إحدى عشرة ركعة أو ثلاث عشرة ركعة (?)، وكان بعض الصحابة يُصَلِّي أكثر من ذلك، لا يقتدى به - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

وكان يصوم في السفر وبعض أصحابه مفطر، ويفطر في السفر، وبعض أصحابه صائم (?).

بل كان يفعل الشيء وينهى غيره عن فعله، فهو - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يواصل، وينهى عن الوصال، قَالُوا: إِنَّكَ تُوَاصِلُ؟ قَالَ: «وَأَيُّكُمْ مِثْلِي، إِنِّي أَبِيتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِ» (?).

بل كان - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يفعل الشيء - كخصوصية - وَيُحَرِّمُ هذا الشيء على جميع أفراد أُمَّتِهِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015