وَأَمَرَ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بتغطية أواني الطعام والشراب، فقال: «أَطْفِئُوا المَصَابِيحَ إِذَا رَقَدْتُمْ، وَغَلِّقُوا الأَبْوَابَ، وَأَوْكُوا الأَسْقِيَةَ، وَخَمِّرُوا الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ» (?) أي غطوه.
وَنَهَى - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الأكل من وسط الإناء، فعن ابن عباس - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «البَرَكَةُ تَنْزِلُ وَسَطَ الطَّعَامِ فَكُلُوا مِنْ حَافَتَيْهِ وَلاَ تَأْكُلُوا مِنْ وَسَطِهِ» (?). وَرَغَّبَ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في المواساة بالطعام، والمشاركة فيه، والاجتماع عليه، فقال: «طَعَامُ الوَاحِدِ يَكْفِي الاثْنَيْنِ، وَطَعَامُ الاثْنَيْنِ يَكْفِي الأَرْبَعَةَ، وَطَعَامُ الأَرْبَعَةِ يَكْفِي الثَّمَانِيَةَ» (?).
وحفاظًا على أحاسيس الآخرين «مَا عَابَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَعَامًا قَطُّ، كَانَ إِذَا اشْتَهَى شَيْئًا أَكَلَهُ، وَإِنْ كَرِهَهُ تَرَكَهُ» (?).
فَهَلْ بَعْدَ اسْتِعْرَاضِ هَذِهِ التَشْرِيعَاتِ السَّامِيَةِ الرَّاقِيَةِ نَسْتَسِيغُ نَفْيَ التَّشْرِيعَ عَنْهَا؟ وَنَقُولُ: إِنَّهَا مِنَ الشُّؤُونِ البَشَرِيَّةِ التِي لَيْسَ مَسْلَكَ الرَّسُولِ فِيهَا تَشْرِيعًا؟ وَلاَ مَصْدَرَ تَشْرِيعٍ؟.
هل يستسيغ مسلم أن هذه الأوامر والنواهي والتوجيهات، وكل ما نقل من أمثالها ليس شَرْعًا يتعلق به طلب الفعل أو طلب الترك؟
لا نملك إلا أن نقول: غفر الله له ورحمه، فقد كانت هذه القذيفة التي لم يُلْقَ لها بَالاً قنبلة فَجَّرَهَا الدكتور عبد المنعم النمر في ميدان آخر، وذهب إلى أن كثير من أفعال النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأقواله ليست للتشريع، وليست خاضعة لوحي، بل صادرة عن اجتهادات بشرية، يجوز لمن يأتي بعده أن يجتهد مثله، وأن يخالفه في أفعاله وتقريراته وأقواله وبخاصة ما جاء عنه في المعاملات التي لَمْ تَرِدْ في القرآن الكريم.
وقال بالحرف الواحد: «فَمَا دَامَ الرَّسُولُ كَانَ يَجْتَهِدُ، وَمَا دَامَ هَذَا الاجْتِهَادُ قَدْ شَمِلَ الكَثِيرَ مِنْ أَنْوَاعِ المُعَامَلاَتِ أَفَلاَ يَجُوزُ لِمَنْ يَأْتِي بَعْدَهُ أَنْ يُدْلِي فِي المَوْضُوعِ بِاجْتِهَادِهِ أَيْضًا؟ هَادِفًا إِلَى تَحْقِيْقِ المَصْلَحَةِ، وَلَوْ أَدَّىَ اجْتِهَادُهُ إِلَى غَيْرِ مَا قَرَّرَهُ الرَّسُولُ بِاجْتِهَادِهِ؟» (?).
وَيَحْصِرُ الدُّكْتُورُ النَّمِرْ السُنَّةَ التَشْرِيعِيَّةَ فِي دَائِرَةٍ ضَيِّقَةٍ، فَيَقُولُ: «نُسَارِعُ فَنُقَرِّرُ أَنَّ كُلَّ مَا صَدَرَ عَنِ الرَّسُولِ مِنْ شُؤُونِ الدِّينِ فِي العَقِيدَةِ وَالعِبَادَةِ وَالحَلاَلِ وَالحَرَامِ وَالعُقُوبَاتِ وَالأَخْلاَقِ وَالآدَابِ لاَ شَأْنَ لَنَا بِهِ إِلاَّ مَنْ نَاحِيَةِ فَهْمِهِ».
ثم يقول: «لَكِنْ هُنَاكَ أَحَادِيثٌ كَثِيرَةٌ تَتَّصِلُ بِمُعَامَلاَتِ النَّاسِ فِي حَيَاتِهِمْ مِنْ بَيْعِ وَشِرَاءٍ