وَكَانَ ملكا حازماً شهماً صَارِمًا شجاعاً مقدما فطناً لَهُ خبْرَة بالأمور ومهابة عَظِيمَة ورأي جيد ومكر شَدِيد وطمع زَائِد. وَكَانَ يحب الاستكثار من المماليك وَيقدم الجراكسة على الأتراك وَالروم ويشره فِي جمع المَال بِحَيْثُ لم يشْبع مِنْهُ ويرغب فِي اقتناء الْخُيُول وَالْجمال وَكَانَ كثير التؤدة لَا يكَاد يَجْعَل فِي شَيْء من أُمُوره بل يتروى فِي الشَّيْء المدد الطَّوِيلَة ويتصدى للْأَحْكَام بِنَفسِهِ ويباشر أَحْوَال المملكة كلهَا ويجل أهل الْخَيْر وَمن ينْسب إِلَى الصّلاح. وَكَانَ يقوم للفقهاء والصلحاء إِذا دخل أحد مِنْهُم عَلَيْهِ وَلم يكن يعْهَد ذَلِك من مُلُوك مصر قبله. وتنكر للفقهاء فِي سلطنته الثَّانِيَة من أجل أَنهم أفتوا بقتْله فَلم يتْرك إكرامهم قطّ مَعَ شدَّة حنقه عَلَيْهِم. وَكَانَ كثير الصَّدقَات وقف نَاحيَة بهبيت من الجيزة على سَحَابَة تسير مَعَ الركب إِلَى مَكَّة فِي كل عَام وَمَعَهَا جمال تحمل المشاة من الْحَاج وَيصرف لَهُم مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ من المَاء والزاد ذَهَابًا وإياباً. ووقف أَرضًا على قُبُور أخوة يُوسُف - عَلَيْهِ السَّلَام - بالقرافة. وَكَانَ يذبح دَائِما. طول أَيَّام إمارته وسلطنته فِي كل يَوْم من أَيَّام شهر رَمَضَان خَمْسَة وَعشْرين بقرة يتَصَدَّق بهَا بعد مَا تطبخ وَمَعَهَا آلَاف من أرغفة الْخبز النقي على أهل الْجَوَامِع والمشاهد والخوانك والربط وَأهل السجون لكل إِنْسَان رَطْل لحم مطبوخ وَثَلَاثَة أرغفة من نقي الْبر سوى مَا كَانَ يفرق فِي الزوايا من لحم الضَّأْن فَيعْطى فِي كل يَوْم لكل زَاوِيَة خَمْسُونَ رطلا وعدة أرغفة خبز وَفِيهِمْ من يعْطى أَكثر من ذَلِك بِحَسب حَالهم وَيفرق كل سنة على نَحْو عشْرين زَاوِيَة لكل زَاوِيَة ألف دِرْهَم فضَّة وَيفرق كل سنة فِي أهل الْعلم وَالصَّلَاح مِائَتَيْنِ ألف دِرْهَم الْوَاحِد إِلَى مائَة دِينَار ذَهَبا. وَمِنْهُم من لَهُ أقل من ذَلِك بِحَسب حَاله وَيفرق فِي فُقَرَاء القرافتين لكل فَقير من دينارين إِلَى أَكثر وَأَقل وَيفرق فِي الخوانك وَغَيرهَا كل سنة مَالا كثيرا. وَكَانَ يفرق فِي كل سنة ثَمَانِيَة آلَاف أردب قمحاً على أهل الْخَيْر وأرباب السّتْر. وَيبْعَث فِي كل سنة إِلَى الْحجاز ثَلَاثَة آلَاف أردب قمحاً تفرق بالحرمين. وَفرق فِي مُدَّة الغلاء كل يَوْم أَرْبَعِينَ أردباً مِنْهَا ثَمَانِيَة آلَاف رغيف فَلم يمت فِيهِ أحد بِالْجُوعِ فَمَا علمنَا. وَكَانَ يبْعَث كل قَلِيل بجملة من الذَّهَب تفرق فِي الْفُقَرَاء وَالْفُقَهَاء حَتَّى أَنه تصدق مرّة بِخَمْسِينَ ألف دِينَار ذَهَبا على يَد الطواشي صندل المنجكي. وأبطل عدَّة مكوس مِنْهَا مَا كَانَ يُؤْخَذ من أهل شُورَى وبلطيم من البرلس شبه الجمالية وَهُوَ فِي كل سنة مبلغ سِتِّينَ ألف دِرْهَم وأبطل مَا كَانَ يُؤْخَذ على الْقَمْح

طور بواسطة نورين ميديا © 2015