.. طُوبَى لمن عَاشَ بعض يَوْم ... وَنَفسه فِيهِ مطمئنه
وَلَا لَهُ فِي الملا عَدو ... وَلَا لخلق عَلَيْهِ مِنْهُ ... وَهَذَا هُوَ صَاحب الْقِصَّة الْمَشْهُورَة مَعَ الْأَمِير عَليّ بن يحيى وذكرتها خشيَة أَن يَقع كتابي مَعَ من لم يكن علمهَا وَذَلِكَ أَن الْأَمِير عَليّ بن يحيى كَانَ على الصّفة الْمُتَقَدّمَة من الإنسانية والمحبة للفقهاء والفضلاء وصحبتهم كَمَا ذكرته فَقدر أَنه عمل طَعَاما لجَماعَة من أَصْحَابه هَذَا الْفَقِيه من جُمْلَتهمْ وَعمل فِيهِ ظرفا مملوءا لحوحا وزوما وَوضع بِموضع فِيهِ بعد عَن الْفَقِيه فَلَمَّا اجْتَمعُوا على الطَّعَام صَار الْفَقِيه يتَنَاوَل مِنْهُ فَلَا يَنَالهُ إِلَّا بتكلف فَأَنْشد الْأَمِير ... بعد اللحوح عَن الْفَقِيه الأوحد ... عُثْمَان خير بني الْبَريَّة عَن يَد ... فَأَجَابَهُ الْفَقِيه مرتجلا ... ترد المراسم إِن أمرت بنقله ... وَيطول مِنْك الباع إِن قصرت يَدي ... فَقَامَ الْأَمِير مسرعا من مَكَانَهُ وَاحْتمل الظّرْف وَوَضعه بَين يَدي الْفَقِيه ثمَّ لما انْقَضى الطَّعَام جعل الْأَمِير يحدث الْفَقِيه وَيَقُول يَا سَيِّدي الْفَقِيه إِنِّي رَأَيْتُك تحب اللحوح وَقد وَهبتك جربتي الْفُلَانِيَّة تكون برسمه فقبلها الْفَقِيه وَهِي جربة تَسَاوِي ألف دِينَار على قرب من الملحمة هِيَ بيد ذُريَّته إِلَى الْآن فرحم الله عَليّ بن يحيى مَا كَانَ ألطف شمائله وَأكْثر فَضله وفضائله
وَقد تقدم ذكره مَعَ بني مَضْمُون وَكَانَت وَفَاته يَوْم الْأَحَد لثلاث بَقينَ من رَمَضَان سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وسِتمِائَة وَذَلِكَ بقرية الملحمة مَعَ أَبِيه يحيى وأخوته أبي بكر وَعلي فقبر الْأَب وأبناؤه أَبُو بكر وَعلي فِي فسقية هِيَ شَرْقي مَسْجِدهمْ فَلَمَّا دنت وَفَاة عُثْمَان قيل لَهُ نقبرك مَعَ أَبِيك وأخوتك قَالَ لَا إِنَّنِي أخْشَى أَن أؤذيهم هم كَانُوا على طَرِيق كَامِل من الْوَرع فقبر بِقَبْر قريب مِنْهُم ثمَّ لما توفّي عُثْمَان خَلفه برئاسة أَهله واشتهر بالفقه ابْن لَهُ اسْمه يحيى مولده آخر نَهَار الْجُمُعَة لخمس خلون من صفر سنة سبع عشرَة وسِتمِائَة وَكَانَ خيرا ذَا دين وورع نزل من بَلَده إِلَى ذِي جبلة فدرس بِالْمَدْرَسَةِ الشرقية وَكَانَ