وتعظمت وَصَارَت شَيْئا فَاحِشا مستبشعا فَقَالَت لَهُ نَفسه النَّاس مجمعون على صَلَاح هَذَا ابْن عجيل فَتقدم إِلَيْهِ وَالْتَزَمَهُ بِهَذِهِ الْعلَّة فَصَارَ إِلَيْهِ من جملَة جمَاعَة خَرجُوا زائرين لَهُ من زبيد وَلما وَصله قَالَ مَا أروح مِنْك حَتَّى تَزُول هَذِه العاشة فَقَالَ حسبي الله أزيل مَا قدره الله فَلم يعذرهُ فَقَالَ هَات يدك فأدناها مِنْهُ وتفل الْفَقِيه عَلَيْهَا وتلا شَيْئا من الْقُرْآن ثمَّ قَالَ لَهُ غطها وعد بلدك فَلَعَلَّ الله يزيلها قَالَ وأدخلت يَدي فِي كمي وسرت سَاعَة مَعَ جمَاعَة جِئْت أَنا وهم من زبيد ثمَّ أخرجت يَدي وَإِذا بهَا سليمَة كَأَن لم يكن بهَا شَيْء فأريتها الْجَمَاعَة ودخلنا زبيد

قَالَ الرَّاوِي ورأيتها وَبهَا العاشة ثمَّ رَأَيْتهَا بعد ذَلِك متعافية وَمَعَ مَا قدمت ذكره فَإِنَّهُ لَا يذكر لأحد شَيْء من كراماته مِمَّن قد عرفه فيمتري بِهِ وَله مسَائِل كَثِيرَة يسْأَله عَنْهَا فُقَهَاء أجلاء فأجابهم بأبين جَوَاب وَأحسنه وَلم يكد أحد من فُقَهَاء وقته يسْأَله إِلَّا افْتقر إِلَى فقهه وَلم أسمع عَنهُ أَنه افْتقر إِلَى أحد مِنْهُم فِي جَوَاب وَلَا سُؤال وَلم يزل على قدم التدريس وَالدّين والورع حَتَّى توفّي نَهَار الثُّلَاثَاء بَين صَلَاتي الظّهْر وَالْعصر لخمس بَقينَ من ربيع الأول من شهور سنة تسعين وسِتمِائَة وَكَانَ الْملك الواثق الْآتِي ذكره فِي فشال يَوْمئِذٍ إِذْ هِيَ إقطاعه من أَبِيه وَهِي على نصف مرحلة من مَوضِع الْفَقِيه تَقْرِيبًا فَلَمَّا سمع بِمَوْت الْفَقِيه ركب فِي موكبه وَحضر غسل الْفَقِيه وَكَانَ من جملَة الغاسلين ثمَّ لما حمل إِلَى الْمقْبرَة كَانَ من جملَة الحاملين وَتَوَلَّى إنزاله مَعَ من تولى ذَلِك فغبطه على ذَلِك كثير من أَعْيَان زَمَانه أَبنَاء جنسه وَغَيرهم وزرته بِحَمْد الله مرَارًا فِي حَيَاته وَبعد وَفَاته فَكَانَت زيارتي لَهُ آخر مرّة أَنا ووالدي وأخوتي قبل مَوته بِثمَانِيَة أَيَّام فَلَمَّا صرنا بالجند إِذْ عَاد وَالِدي إِلَيْهَا متنقلا عَن زبيد ومدرسا بمدرستها الَّتِي ولدت بهَا وَهِي مدرسة الشَّيْخ عبد الله بن عَبَّاس وَمن أحسن مَا قيل فِيهِ من الشّعْر قَول وَالِدي من قصيدة امتدحه بهَا فِي حَال حَيَاته وَذكر فِي أَولهَا المراحل من زبيد إِلَى بَيت الْفَقِيه بعد أَن صدرها بقوله ... هذي ديار أحبتي يَا حادي ... أنخ الْمطِي فقد بلغت مرادي

وعَلى الْكَثِيب الْأَشْرَف أنزل فقد ... حللت بأمنع الأطواد

دَعْنِي أَضَع خدا على ساحاته ... وَالْوَجْه كي أحظى بِذَاكَ النادي

وأشاهد الْبَدْر الَّذِي من أمه ... ينجو من الأحزان والأنكاد

وَأَقْبل الْقدَم الشريف تقربا ... أَرْجُو بِذَاكَ هدايتي ورشادي ...

طور بواسطة نورين ميديا © 2015