ثمَّ كَانَ مَتى قدم الْمَدِينَة فعل النَّاس مَعَه كَذَلِك فَيَقُول لَهُم اتَّقوا الله هَذَا نَبِيكُم وَهَؤُلَاء صحابته وَأَنا رجل مِنْكُم فَلَا يزْدَاد النَّاس إِلَّا إقبالا عَلَيْهِ وَكَانَ مَتى ضجر من النَّاس بِمَكَّة وَالْمَدينَة تغيب عَنْهُم لقَضَاء مآربه من ذكر أَو قِرَاءَة أَو صَلَاة وَذَلِكَ غَالب شغله وَكَانَ كثير التَّرَدُّد إِلَى مَكَّة
أخبر الثِّقَة أَن الْقَافِلَة الَّتِي تسير فِي الْبر من عصره إِلَى الْآن مَعَ من سَارَتْ من فَقِيه أَو غَيره إِنَّمَا تسمى بِهِ فَيُقَال قافلة ابْن عجيل وَهَذَا من أعجب الْأَشْيَاء
وَمَا أشبه هَذَا بقول الأول ... قد مَاتَ قوم وَمَا مَاتَت مكارمهم ... وعاش قوم وهم فِي النَّاس أموات ... ثمَّ ذهب النَّاس الْمدرسَة عَن مَسْكَنه وَقيل لَهُ بَيت الْفَقِيه يعنونه وَكَانَ إِمَامًا فِي الْفِقْه والأصولين والنحو واللغة والْحَدِيث وَمن أحسن من ضبط بكتبه الْفُنُون وقرت بمذكراته الْعُيُون وَلَقَد أَخْبرنِي ثِقَة من فُقَهَاء عصره أَنه قَالَ ارتحلت من بلدي الْجبَال إِلَى الْفَقِيه أَزورهُ فَلَمَّا وصلت وسلمت عَلَيْهِ كنت قد أَعدَدْت عدَّة مسَائِل فقهية وأصولية وكلامية فَأَقْبَلت أسأله عَن الْفِقْهِيَّة وَهُوَ يجيبني وَعَن الْأُصُولِيَّة وَهُوَ أَيْضا يجيبني ثمَّ عَن الكلامية فغالطني فأضمرت فِي نَفسِي قصوره عَن ذَلِك ثمَّ لما انْقَضى الْمجْلس وَكَانَ حافلا وَدخل الْفَقِيه الْمنزل الَّذِي لَهُ استدعى بِي إِلَيْهِ وَقَالَ إِن الْعُقُول لَا تكَاد تحْتَمل جَوَاب مَا سَأَلته وَرُبمَا حصل بَيْننَا مُرَاجعَة واعتراضات تشوش على السَّامع لَكِن هَات السُّؤَال الأول فأوردته فجوب لي جَوَابا شافيا ثمَّ بَقِيَّة الأسئلة كَذَلِك فحمدت الله على ذَلِك وَعظم عِنْدِي وَكنت أَظُنهُ يُفَارق المعتقد لِأَن ينْقل ذَلِك لَا يخبر الْفَقِيه نفع الله بِهِ وَأَخْبرنِي الثِّقَة عَن أَبِيه أَنه قَالَ خرجنَا من جبل الحشاء وناحية العوادر جمعا كثيرا نُرِيد الْحَج فمررنا على الإِمَام فَأَتَانَا بِالطَّعَامِ وَجعل يغسل علينا بِنَفسِهِ وَجَعَلنَا نقُول لَهُ مَا جرت عَادَة الْبِلَاد غسلك الله من الذُّنُوب وَجعل يَقُول يَا حجاج فِي عَافِيَة فِي عَافِيَة فَإِن الْغسْل من الذُّنُوب إِنَّمَا يكون غَالِبا بالأمراض وَلَقَد أَخْبرنِي عدَّة من الثقاث أَن رجلا من دلالي زبيد طلعت بِيَدِهِ عاشة