جعلت الطرفين يستجيبان بسهولة لدعوة الخليفة، وكان المعز آيبك قد استغل إنتصاره على الناصر يوسف، وإزدياد خطر المغول وتهديدهم لبلاد الشام ومصر، فتخلص من شريكه في الحكم، وهو الأشرف موسى، فحذف إسمه من الخطبة، وقبض عليه، وسجنه في قلعة الجبل وذلك في عام 650هـ/1252م، واستقل بالسلطنة (?). ومهما يكن من شيء فقد إتضح للملك الفرنسي واللاتيني أنه بوسع المسلمين في مصر والشام إذا إتحدت جهودهم، واتفقت كلمتهم، أن يدفعوا عنهم خطر الجماعات الصليبية وأن يعملوا على مضايقتها بشتى الوسائل، وكان الصلح التي تم بين الناصر والمعز آيبك في صفر 651هـ/أبريل 1253م بمثابة ضربة وجهت إلى قلب القوى الصليبية وإلى لويس التاسع نفسه، إذ أنه أتاح الفرصة للناصر يوسف بعد أن فرغ من جميع ما يشغل باله، لتلقين الفرنج درساً قاسياً (?)، وكان من الطبيعي أن يبدأ الصدام بين قوات كل من الناصر يوسف ولويس التاسع، بعد أن كشف الأخير عن نياته واتخذ من أمراء مصر حلفاء له ضد خصومهم في الشام وساعد على ذلك أيضاً أن قوات صاحب حلب كانت ترابط قبالة غزة على مقربة من المعسكر الصليبي يافا، ومع أن هذا الصدام لم يكن فيه معركة حاسمة، إلا أنه كان مقدمة أو بداية لسلسلة من الهجمات الشديدة التي ستكيلها القوات الناصرية للصليبيين وولاياتهم بعد إقرار الصلح بينها وبين مصر (?).
لقد فشل لويس التاسع في الاستفادة من الإنشقاق الذي حدث بين الشام ومصر إلا أنه اضطر أخيراً العودة إلى فرنسا، فغادر فلسطين في ربيع الأول سنة 652هـ/24 نيسان 1254م مجروحاً في كرامته وعزته وكبريائه بعد هزيمته في مصر، وكان ذلك إيذاناً بإضمحلال الروح الفرنجية العسكرية وموتها فيما بعد في وقت كانت تكابد فيه طور النزع الأخير (?).
5 ـ تمرد القبائل العربية ضد المماليك في مصر: ومن المشاكل التي اعترضت السلطان آيبك، هي ثورة بعض القبال العربية أو ما يسمى بالعربان في مصر سنة 1253م. من المعروف أن القبال العربية استوطنت مصر بعد الفتح الإسلامي وتأثرت بالبيئة المصرية الزراعية، وأخذت تتحول تدريجياً إلى شعب زراعي مستقر، ولا سيما في أقاليم الصعيد