أربعة وأربعين عاماً فقط من سنة 658هـ ـ 702هـ فقد تحققت بسبب الشجاعة والعقيدة ونتيجة ازدهار ما يسمى بلغة اليوم بالصناعات الهندسية والعسكرية، التي مكنت المسلمين من تحرير قلعة عكا في فلسطين، وهو الفتح المبين الذي لم يكن في أهميته عن فتح القسطنطينية فيما بعد بشهادة الغربيين أنفسهم لقد كانت دولة المماليك من حيث طبيعتها إمتداداً طبيعياً للأيوبيين ولمن سبقهم من الملوك والسلاطين، فهي دولة عريقة الحضارة، أعجمية الحكام، تقود الجهاد الإسلامي في وجه الخطر الذي كان يتهدد المسلمين (?)، ومن الأوهام التي تأثر بها كثير من الباحثين هو أن تدمير المغول لبغداد عام 656هـ ـ 1258م كان نهاية الحضارة الإسلامية، ولذلك لا يتطرقون إلى ذكر شيء من إبداعات عصر المماليك وإنجازاته، وهذه فكرة خاطئة ووهم يتطلب الوقوف عنده كثيراً (?)، وسنجيب عنها بإذن الله تعالى في كتبنا القادمة ونبين الحياة العلمية والفكرية وأشهر الأعلام في عهد المماليك.
إن هذه الأمة تنبض بالحياة، وقادرة على تجاوز المحن العظيمة، وأثبت التاريخ بشواهده ووقائعه بأن طاقاتها الكامنة تتفجر عندما تتعرض للمخاطر والشدائد وحينئذ تستجمع قواها وتستثير كوامنها وتظهر ذخائرها وتتصدى للمشاريع الغازية والمصائب القاسية، بإيمان عظيم وصبر جميل حتى يجعل الله من ظلام ليلها صباحاً مشرقاً ونهاراً مضيئاً، قد رأينا الصحابة الكرام، وفتوحاتهم الربانية وسار على هديهم التابعون بإحسان، ولما جاءت جحافل الصليبيين والمغول تصدى لهم السلاجقة والزنكيين والأيوبيين والمماليك، وكان الإسلام هو المحرك لقادة الجهاد الإسلامي من أمثال عماد الدين، ونور الدين، وصلاح الدين، وسيف الدين قطز، وركن الدين بيبرس، ومن سار على نهجهم، ولسان حال المسلمين في الماضي وفي الحاضر والمستقبل قول الشاعر:
أنا مسلمُ أنا مسلمُ
هذا نشيدي المُلَهمً
من أعمق الأعماق
أبعث لحنه يترنم
رُوحي تُردِّدُه وقلبي
والجوارح والدَّم
شوقاً وتحناناً
لأمجاد لنا تتكلم