الذي يؤيده غالبية المستشرقين ـ كما تتشدق به غالبية المستغربين من أهل المشرق ـ ينطلق من حقد الغربيين الدفين على المماليك الذين دمروا الصليبيين وأجلوهم عن الشام، كما دمروا حلفاؤهم المغول، وحفظوا لبلاد الشام والأماكن المقدسة فيها والحجاز إستقلالها قرابة ثلاثة قرون في فترة زمنية قياسية (?).

إن الحقائق التاريخية تثبت للباحثين المنصفين، بأن عصر المماليك لم يكن بحال من الأحوال عصر إنحطاط، بل هو الذي ظهرت فيه حضارة عظيمة في مختلف نواحي الحياة، لقد كان عصر المماليك هو العصر الذهبي في العمارة الإسلامية، وهذا يبدو اليوم بوضوح تام في القاهرة التي سميت بمدينة الألف مئذنة والتي تنتشر فيها الآثار المملوكية الهائلة بدءاً من البيمارستان المنصوري إلى جامع السلطان حسن، وخانقاه بيبرس الجاشنكير ومسجد الأمير أيبك ومسجد الغوري وغير ذلك (?)، وأما الذين لم يزوروا القاهرة، فبإمكانهم مشاهدة الآثار المملوكية في دمشق مثل الدراسة الظاهرية، والجقمقية التي بجوارها، وبين هذه وتلك يمكنهم مشاهدة نموذج رائع من نماذج العمارة المملوكية وهو المئذنة الغربية من مآذن الجامع الأموي التي أمر ببنائها السلطان قايتباي بعد حريق الجامع الأموي 884هـ وتم ذلك في بضعة شهور (?).

وفي ميدان الفكر قد امتاز العصر المملوكي بأنه عصر الموسوعات الكبرى في الآدب والتاريخ والتفسير والفقه والحديث وغيرها، ففي علوم الدين والفقه والحديث نجد الموسوعات الضخمة للإمام النووي وابن تيمية وابن رجب والبدر العيني وابن حجر، وفي التاريخ نجد اليونيني والبرزالي وابن كثير وابن خلدون وابن تغري بردي والنويري وفي الموسوعات العلمية نجد مسالك الأبصار، وصبح الأعشى، وخطط المقريزي وغيرها، وهؤلاء وأمثالهم حفظوا لنا التراث الإسلامي بالدرجة الأولى ثم زادوا عليه حتى أصبحنا اليوم نعرف أدق التفاصيل عن القاهرة في عصر المماليك، وهناك جانب آخر من الحضارة المملوكية لم يلتفت إليه الكثيرون ونعني به الجانب العسكري، ذلك أن الانتصارات المذهلة التي حققها المماليك على برابرة الشرق والغرب أي على المغول والصليبيين في غضون

طور بواسطة نورين ميديا © 2015