وقد بدأت تسمية زنكي بهذا اللقب في شعبان عام 521هـ عندما ولاه السلطان محمود الموصل وسلمه ولديه ألب أرسلان، وفرّوخ شاه (المعروف بالخفاجي) وجعله أتابكاً لهما (?)، وقد ترتبت على " أتابكية زنكي " نتائج عديدة، فقد كان عليه من الناحية الرسمية، أن يحكم باسم ألب أرسلان، أكبر الأميرين، وأن يخطب له، ولذلك أظهر للخلفاء والسلاطين وأصحاب الأطراف أن البلاد التي
يحكمها: إنما هي للملك ألب أرسلان (?)، وأنه نائب فيها: فكان إذا أرسل رسولاً أو أجاب على رسالة فإنما يقول: قال الملك: كذا (?) وكذا وكان هذا الإجراء من قبل زنكي لا يعدو أن يكون شكلياً، إذ أن السلطة الفعلية كانت متركزة في يده، ولم يكن لأحد من ابني السلطان محمود أية سلطة عملية، بل كانا أشبه بالمحتجزين، إذ فرق زنكي بينهما فجعل أحدهما في أحد معاقل سنجار، والآخر تحت اشراف زوجته في الموصل (?)، وقد استهدف من الخطبة لألب أرسلان إلقاء الصفة الرسمية " الشرعية " على سياسته وأعماله مستغلاً اسم الملك السلجوقي كما عمل زنكي على استغلال وجود هذين الملكين السلجوقيين، فقام بمحاولات ثلاث (525هـ - 529هـ) لتنصيب ألب أرسلان على عرش سلاجقة العراق بالاتفاق مع الخليفة العباسي ضد السلطان السلجوقي في اصفهان وقد استهدف من وراء ذلك جعل السلطة الفعلية لسلاجقة العراق بيده باسم السلطان الشرعي المنصب ولكن هذه المحاولات انتهت جميعاً بالفشل (?).
أ- محاولة انقلابية في الموصل: قامت مؤامرة ضد عماد الدين زنكي تزعمها الملك الخفاجي عام 539هـ أثناء غياب زنكي عن الموصل، إذ اتفق الخفاجي وأنصاره على اغتيال نصير الدين جقر نائب زنكي في الموصل ومن ثم السيطرة على المدينة وإعلان العصيان ضد زنكي ففي صباح الثامن أو التاسع من ذلك القعدة عام 539هـ ركب جقر في موكبه كعادته واخترق شوارع المدينة متجهاً إلى الدار التي يقيم فيها الملك الخفاجي للتسليم عليه (?)، فحسَّن المفسدون للملك قتله وقالوا له: إنَّك إن قتلته ملكت الموصل وغيرها ويعجز أتابك أن يقيم بين يديك، ولا يجتمع معه فارسان عليك فوقع هذا في نفسه وظنه صحيحاً، فلما دخل نصير الدين إليه كعادته وثب عليه جماعة في خدمة الملك فقتلوه، وألقوا رأسه إلى أصحابه، ظناً منهم أن أصحابه إذا رأوا رأسه تفرَّقوا، ويملك الملك البلاد وكان الأمر بخلاف ما ظنُوا، فإن أصحابه وأصحاب أتابك الذين معه لما رأوا رأسه قاتلوا من بالدّار مع الملك، واجتمع معهم الخلق الكثير، وكانت دولة عماد الدين مملؤة بالرّجال الأجلاد ذوي الرأي والتجربة، فلم يتغير عليه بهذا الفتق شيء (?).