لله أية وقفة بدرية ... نُصرت صحابتها بأيمن صاحب
ظفٌر كمال الدين كنت لقاحه ... كم ناهضٍ بالحرب غير محارب
وأمدكم جيشُ الملائك نُصرة ... بكتائب محفوفة بكتائب
جبنوا الدَّبور وقدتم ريح الصبا ... جنُد النبوة هل لها من غالب
إلى أن قال:
وإذا رأيت الليث يجمع نفسه ... دون الفريسة فهو عين الواثب
وكان فتح الرها بداية لما بعدها، إذ لم يكن من الصعب على عماد الدين زنكي أن يستكمل مهمته بفتح باقي المعاقل الصليبية التابعة لهذه الإمارة، فاستغل فرصة تضعضع أحوال الصليبيين في المنطقة وقد استطاع عماد الدين أن يحقق قسطاً كبيراً من برنامجه وأن يكّون لنفسه مكانة خاصة في التاريخ الإسلامي كسياسي بارع وعسكري متمكن ومسلم واعٍ أدرك الخطر الذي حاق بالعالم الإسلامي من قبل الصليبيين فقد استطاع أن يوجه الظروف التاريخية القائمة لصالح المسلمين وذلك بتجميعه القوى الإسلامية، بعد القضاء على عوامل التجزئة والانقسام وتوحيد المدن والإمارات المنفصلة في نطاق دولة واحدة استطاع بحنكته أن يستغل أقصى ما يمكن أن تقدمه دولته من إمكانات في سبيل تحقيق برنامجه المزدوج أي تشكيل الجبهة الإسلامية وضرب الصليبيين ويعتبر عماد الدين زنكي أول قائد سلجوقي قام بتجميع القوى الإسلامية وفق برنامج معين ليجابه بها تزايد الخطر الصليبي الذي لم توقفه المحاولات الجدية التي سبقت زنكي وبخاصة تلك التي تمت على يد كل من مودود بن التونتكين 502هـ- 507هـ وإيلغازي وبلك الأرتقين 518 - 520هـ، وقد مهد عماد الدين زنكي الطريق لقادة التحرير من بعده فلم تكن جهود ابنه نور الدين محمود ومن بعده صلاح الدين الأيوبي سوى اتمام العمل الذي بدأه عماد الدين زنكي وفي نفس الطريق، وبعد استشهاد عماد الدين تولى القيادة ابنه البطل الفذ والمجاهد الشهير نور الدين محمود الشهيد الملك العادل
إن من الدروس المهمة من هذا الكتاب معرفة المشاريع المتصارعة في عهد الزنكيين، فقد كانت ثلاثة تتطاحن على قدم وساق، وهي المشروع الصليبي والذي تتزعمه الكنيسة من عهد أوربان الثاني والمشروع الشيعي الرافضي بقيادة الدولة الفاطمية بمصر والمشروع الإسلامي الصحيح وحامل لوائه نور الدين زنكي، فكانت المحاور التي سار عليها أهل السنة دولة وشعباً، تعميق الهوية العقائدية السنية والإحياء الإسلامي الصحيح في نفوس الأمة، والتصدي لشبهات المذهب