لاسيما الأمير مودود بن التونتكين وإذا كانت أولى الإمارات الصليبية تهاوت تحت أيديهم فإنها البداية، واليوم أسقاط الرها وغداً إسقاط باقي الكيان الغازي الدخيل، وهذا ما حدث فعلاً ومن الآن فصاعداً لن تعود عقارب الساعة إلى الوراء، بل التقدم إلى الأمام بكل ثقة، وإباء.
2 - تأكد منطق التاريخ من أن مثل تلك الكيانات الصليبية الغير شرعية لن تستمر على الأرض المسلمة، لأن أبناء المنطقة أصحاب الهوية الدينية الموحدة لن يقبلوا بذلك الوضع السياسي والعسكري الدخيل وبالتالي عاد التجانس لمنطقة شمال العراق ولم تعد الرها تمثل دور الفصل والكيان الصليبي الحاجز المانع من الاتصال بين كل من سلاجقة آسيا الصغرى، وسلاجقة الروم، وكذلك بلاد فارس.
3 - كما أدى سقوط الرها بمثل هذه الصورة إلى تحرك الحلف الدفاعي الاستراتيجي القائم بين الكيان الصليبي في الشرق والرحم الأم، فلم يكن ذلك الغرب يسمح لامتداده السياسي، والتاريخي في الشرق أن ينهار قطعة قطعة، بل لابد من التدخل من أجل إعادة الأمور إلى نصابها وإجهاز فعاليات إمارة الموصل ومن ثم كان قيام الحملة الصليبية الثانية عام 542هـ وهي من النتائج المباشرة لإسقاط الرها وهو أمر يوضح لنا بجلاء كيف أن قادة الجهاد الإسلامي حاربوا قوى عالمية، ولم تكن مجرد قوى محلية محدودة التأثير والفعالية،
وأنهم بالفعل كانوا جزءاً من صراع قاري أو عالمي على نحو يجعل لهم مكانة بارزة في تاريخ المسلمين وقد مدح الشعراء الإنجاز الكبير الذي قام به عماد الدين لفتحه إمارة الرها، فقد وصف ابن الأثير جيش عماد الدين في خروجه لفتح الرها فقال:
بجيش جاش بالفرسان حتى ... ظننت البَّر بحراً من سلاح
وألسنة من العذبات حُمْر ... تخاطبنا بأفواه الرَّياح
وأروع جيشه ليلٌ بهيم ... وغُرَّته عمود للصباح
صفوح عند قدرته ولكن ... قليل الصفح ما بين الصفاح
فكان ثباته للقلب قلباً ... وهيبته جناحاً للجناح
وهنَّأ الشاعر ابن القيسراني القاضي كمال الدين الشهرزوري بهذا الفتح فقال:
إن الصفائح يوم صافحت الرُّها ... عطفت عليها كل أشوس ناكب
فتح الفتوح مبشَّراً بتمامه ... كالفجر في صدر النَّهار الآيبِ