والعسكرية ويؤحَّد ما أمكنه من الإمارة الصغيرة المتناثرة حولها لتأمين خطوط تحركاته في الجزيرة وبلاد الشام إلى الحد الذي يمكَّنه من التصدي لهم وبعد أن أنهى معظم مشاكله وحروبه ضد أمراء ديار بكر وانتهت هدنته مع جوسلين أمير الرها، قرر البدء والهجوم على المواقع الصليبية، وبدأ في فتح الحصون وضمها لدولته.
75. ظهرت قدرات عماد الدين ودولته في الدفاع عن حلب أمام الحملة الصليبية البيزنطية، فقد قاومت حلب وأخذ أهاليها يقومون بهجمات سريعة على معسكرات الأعداء أدخلت الرعب وعدم الاستقرار في نفوسهم فآثروا الإنسحاب.
76. وعندما توجهت جيوش الصليبيين والأمبراطور البيزنطي إلى شيزر، كان عماد الدين يقود حركة المقاومة للدفاع عن المدينة واستخدم أساليب الحرب النفسية ضد الجيوش الغازية وأرسل في طلب النجدة من كل المناطق للتصدي للغزاة، وشرع في رمي الأعداء بسهام الحيلة والدهاء وإيجاد فتنة بينهم، فقد اتبع عماد الدين خطة عسكرية فقد راسل المتحالفين وهم في مواقعهم الحصينة عند المدينة يقول لهم: إنكم قد تحصنتم مني بهذه الجبال فاخرجوا عنها إلى الصحراء حتى نلتقي، فإن ظفرتم أخذتم شيزر، وإن ظفرنا بكم أرحت المسلمين من شركم وكادت الخطة تنجح حين أشار الصليبيون على الأمبراطور بالنزول إليه وقتاله ولكن يوحنا خشي مغَّبة ذلك وأجاب: أتظنون أنه ليس من العسكر الإ ما ترون؟ وإنما يريد أنكم تلقونه فيجيء إليه من نجدأت المسلمين مالا حّد عليه. وفي نفس الوقت كان يراسل صليبي الشام يحَّذرهم من أمبراطور الروم ويعلمهم أنه إذا استولى على حصن واحد من الشام أخذ البلاد التي بأيديهم منهم، ويرسل من جهة أخرى إلى الأمبراطور يخّوفه من أن الصليبيين في بلاد الشام خائفون منه، فلو فارق مكانه لتخلوا عنه فاستنفر كل طرف من الطرف الآخر وسادت الشكوك بينهما.
77. تعتبر من أهم أعمال عماد الدين زنكي فتح الرها، في 539هـ وكان لهذا النصر نتائج هامة على العالمين الإسلامي والنصراني ومن أهم تلك النتائج:
* تأكد للمسلمين أن حركة الجهاد الإسلامي وصلت سن الرشد وتجاوزت المراهقة السياسية والعسكرية دون أن يكون ذلك إحجاف بإنجازات القادة السابقين على زنكي لاسيما مودود وإذا كانت أولى الإمارات الصليبية تهاوت تحت أيديهم، فإنها البداية واليوم أسقاط الرها وغداً إسقاط باقي الكيان الغازي الدخيل، وهذا ما حدث فعلاً، ومن الآن فصاعداً لن تعود عقارب الساعة إلى الوراء، بل التقدم إلى الأمام بكل ثقة وإباء وإنجاز.