* تأكد منطق التاريخ من أن مثل تلك الكيانات الصليبية الغير شرعية لن تستمر على الأرض لأن أبناء المنطقة أصحاب الهوية الدينية الموحدة لن يقبلوا بذلك الوضع السياسي والعسكري الدخيل وبالتالي عاد التجانس لمنطقة شمال العراق ولم تعد الرها تمثل دور الفصل والكيان الصليبي الحاجز المانع من الاتصال بين كل من سلاجقة آسيا الصغرى، وسلاجقة العراق وكذلك بلاد فارس.
* أدى إسقاط الرها بمثل هذه الصورة إلى تحرك الحلف الدفاعي الاستراتيجي القائم بين الكيان الصليبي في الشرق والرحم الأم في الغرب الأوروبي.
78. بعد فتح الرها ارتفع شأن عماد الدين زنكي إلى حد بعيد، فبعد أن كان مجرد حاكم محلي محدود النطاق والفعالية تردد اسمه سريعاً في الحوليات الاتينية والسريانية ليعكس أنه أحدث تأثيراً كبيراً في مجرى أحداث الشرق اللاتيني، وبصورة غير مسبوقة، أما بالنسبة للمسلمين فقد احتل مكانة بارزة، فقد عزّز فتح الرها مركز عماد الدين تجاه السلطان السلجوقي مسعود والخليفة العباسي المقتفي لأمر الله الذي أنعم عليه بعدد كبير من الألقاب التي حازها عن جدارة، كالأمير المظفر، ركن الإسلام، عمدة السلاطين، زعيم جيوش المسلمين ملك الأمراء، أمير العراقين والشام وجعل هذا النصر عماد الدين زنكي المدافع الأول عن الدين، والمجاهد في سبيل إعلاء كلمة الله، ودارت في المحافل الإسلامية، أحاديث تمحورت حول شخصيته، تصور لنا مدى التقدير والإعجاب اللذين نالهما إثر تحقيقه هذا النصر الكبير.
79. مدح الشعراء عماد الدين زنكي في فتح الرها والملفت للنظر إن كثيراً من الباحثين والكتاب لم يهتموا بالأدب في الحروب الصليبية، بل إن الكثير منهم أطلقوا عليه أدب الانحطاط آخذين بأقوال وآراء المستشرقين الذين رغبوا في أن نبتعد عن دراسة تاريخ أدب هذه الحروب لأسباب كثيرة منها رغبتهم في عدم إطلاعنا على وحشية الصليبيين وقسوتهم، ثم حتى لا نشعر بالعز والفخر ونحن نقرأ عن تاريخ الأبطال المسلمين عرباً وأكراد وأتراكاً - يقودون الجيوش وهم يحملون راية الإسلام مجاهدين ويترفعون عن القوميات والوطنيات الجاهلية وتجمعهم حب الله ورسوله والجهاد في سبيل الله وابتغاء مرضاته، إن أدب هذه الفترة ما زال بحاجة إلى دراسات مستفيضة.
80. استطاع عماد الدين زنكي أن يوجه الظروف التاريخية القائمة لصالح المسلمين وذلك بتجميعه القوى الإسلامية، بعد القضاء على عوامل التجزئة والانقسام وتوحيد المدن