61. من الحقائق المسلم بها في تاريخ الحركة الصليبية، أن حركة الجهاد الإسلامي ضد الصليبيين انبعثت لأول مرة في بلاد المشرق الإسلامي من منطقة الجزيرة وهي تقع بين دجلة والفرات مجاورة لبلاد الشام وتشتمل على ديار مضر، وديار بكر، وسميت الجزيرة لوقوعها بين نهري دجلة والفرات، وتمتاز منطقة الجزيرة بأنها صحية الهواء جيدة الريع والنماء واسعة الخيرات، بها مدن جليلة وحصون منيعة وقلاع كثيرة ومن أشهر قادة السلاجقة الذين جهادوا الصليبيين، قوام الدولة كربوقا صاحب الموصل، وجكرمش صاحب الموصل، وسقمان بن أرتق صاحب ماردين وديار بكر، وقلج أرسلان في آسيا الصغرى.
62. ويحتل شرف الدولة مودود بن التونتكين مكانة خاصة في تاريخ الجهاد ضد الصليبيين، وقد أسهمت عوامل عدة من أهمها، الفترة المبكرة التي ظهر فيها، والطابع الإسلامي العميق لشخصيته المتفانية في سبيل أهداف المسلمين الكبرى، وسياسته الداخلية العادلة السمحة وقدرته على تزعم حركة الجهاد وإيجاد نوع من التنسيق ربما لأول مّرة، بين كافة القوى الإسلامية في ساحات الجهاد وإيجاد نوع من التنسيق، ربما لأول مرّة، بين كافة القوى الإسلامية في ساحات الجهاد وقد استطاع وضع الصليبيين في موضع الدفاع وتحقيقه عدداً من الانتصارات جاء أحدها عند مرتفعات طبرية في قلب فلسطين بعيداً عن الساحة التي درج عليها الصراع بين ولاة الموصل السابقين، ثم جاء مقتله السريع إثر ذلك، في جامع دمشق على أيدي الشيعة الباطنية الأعداء الشرسين لحركة الجهاد والمقاومة وقد حزن عليه المسلمون حزناً عميقاً ويعتبر في تاريخ الأمة من أبطال الحروب الصليبية وكانت فترة إمارته للموصل من عام 501هـ -507هـ وكان عند مقتله صائماً وأراد من حوله تفطيره إلا أنه قال: لا لقيت الله إلا صائماً ومات من يومه رحمه الله.
63. تعتبر حملات مودود نقطة تحول في تاريخ الصراع الإسلامي الصليبي خلال تلك المرحلة المبكرة، فقد صارت فكرت الإسلام حقيقة واقعة، ووجدت فارسها المخلص الذي حمل لواءها ما يقرب من نصف المدة التي تولى فيها إمارة الموصل ويمكن اعتبار حملات مودود مقدمة لحملات عماد الدين زنكي مع عدم إغفال الفارق الزمني في صورة الثلاثة عقود الفاصلة بين إنجاز كل منهما والتي أدت إلى سقوط إمارة الرها الصليبية عام 539هـ حيث أن مودوداً وجه حملاته الأولى إلى الرها وتل باشر، وعمل على إرهاق أهلها وتعتبر جهوده المقدمة الأولى لجهود زنكي ضدها على اعتبار أن قافلة الجهاد متصلة قائداً من بعد قائد.