وأعطته من حادثات الزمان ... أن لا تُلِمَّ به موْتِِقا
فأضحى يتيه على كلَّ ما ... بُني مغْرِباً كان أو مشرقاً
تظلُّ الوفود به عُكَّفاً ... وتُمسى الضيوف به طُرَّقاً
بقيتَ له يا جمال الملوك ... والفضل مهما أردت البقا
وسالمه فيك ريب الزمان ... ووُقيَّت منه الذي يُتَّقَى
فما صدقت هذه الأماني، بل عمّا قريب - بعد نيلها - اتَّهم الخليفة ابن أفلح بأنه يكاتب دُبَيساً، فأمر بتخريب هذه الدار، فلم يبق فيها جدار، وصارت خرابة بعد ما كان قد حَسُن منها المقام والقرار، وهذه حكمة من يقلَّبُ الليل والنهار وتجري بمشيئته الأقدار (?)
7 - وفي سنة 535هـ توفي محمد بن عبد الباقي بن محمد بن كعب بن مالك الأنصاري وكان مشاركاً في علوم كثيرة وقد أُسر في صغره في أيدي الروم، فأرادوه على أن يتكلم بكلمة الكفر فلم يفعل، وتعلمَّ منهم خط الروم، وكان يقول: من خدم المحابر خدمته المنابر ومن شعره الذي أورده ابن الجوزي عنه وسمعه عنه قوله:
احفّظْ لسانك لا تَبُحْ بثلاثة ... سنَّ ومال ما استطعت ومذهب
فعلى الثلاثة تُبْتَلَى بثلاثة ... بمُكفًّرِ وبحاسد ومُكذَّب
ومن ذلك قوله:
لي مُدَّة لابُدَّ أُبلغها ... فإذا انقضت وتصّرمت مِتُّ
لو عانَدَتني الأسُدُ ضاربةً ... ما ضَّرني مالم يَجي الوقت (?)
ومن ذلك قوله:
بغدادُ دارُ لأهل العلم طيبةٌ ... وللفاليس دار الضَّنْك والضَّيقِ
ظللت حيران أمشي في أزقتها ... كأنني مصحفٌ في بيت زنديق (?)
قال ابن الجوزي: بلغ من العُمر ثلاثاً وتسعين سنة لم تتَغيَّر حواسه ولا عقله وكانت وفاته ثاني رجب من هذه السنة وحضر جنازته الأعيان والناس ودفن قريباً من قبر بشر (?).