و {داود زبوراً} وعيسى الإنجيل، فلم يبعد أيضاً أن نؤتي محمداً صلى الله عليه وسلم القرآن، ولم يبعد أن نفضله على جميع الخلق. فإن قيل: ما السبب في تخصيص داود عليه السلام بالذكر هنا؟ أجيب: بأوجه الأول أنه تعالى ذكر أنه فضل بعض النبيين على بعض، ثم قال: {وآتينا داود زبوراً} يعني أنّ داود أوتي ملكاً عظيماً، ثم إنه تعالى لم يذكر ما آتاه من الملك، وذكر ما آتاه من الكتاب تنبيهاً على أنّ الفضل الذي ذكره قبل ذلك المراد منه التفضيل بالعلم والدين لا بالمال. الثاني: أنه تعالى كتب في الزبور أنّ محمداً خاتم الأنبياء، وأنّ أمّة محمد خير الأمم قال تعالى: {ولقدكتبنا في الزبور من بعد الذكر أنّ الأرض يرثها عبادي الصالحون} (الأنبياء، 105)

وهم محمد صلى الله عليه وسلم وأمّته.

فإن قيل: هلا عرفه كقوله: {ولقد كتبنا في الزبور} ؟ أجيب: بأنّ التنكير هنا يدل على تعظيم حاله؛ لأنّ الزبور عبارة عن المزبور، فكان معناه الكتاب، وكان معنى التنكير أنه كامل في كونه كتاباً، ويجوز أنّ يكون زبوراً علماً، فإذا دخلت عليه أل كقوله تعالى: {ولقد كتبنا في الزبور} كانت للمح الأصل كعباس، والعباس وفضل والفضل الثالث أنّ كفار قريش ماكانوا أهل نظر وجدل بل كانوا يرجعون إلى اليهود في إستخراج الشبهات واليهود كانوا يقولون أنّه لا نبيّ بعد موسى ولا كتاب بعد التوراة فنقض الله عليهم كلامهم بإنزال الزبور على داود.

وروى البخاري في التفسير عن أبي هريرة أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «خفف على داود القرآن فكان يأمر بدوابه لتسرج فكان يقرأ قبل أن يفرغ» ، أي: القرآن قال البقاعي: ومن أعظم المناسبات لتخصيص داود عليه السلام وزبوره بالذكر هنا، ذكر البعث الذي هذا مقامه فيه صريحاً، وكذا ذكر النار مع خلو التوراة عن ذلك. أمّا البعث فلا ذكر له فيها أصلاً، وأمّا النار فلم يذكر شيء مما يدل عليها إلا الجحيم في موضع واحد، وأمّا الزبور فذكر فيه النار والهاوية والجحيم في غير موضع انتهى. وقرأ حمزة بضم الزاي والباقون بالفتح، واختلف في سبب نزول قوله تعالى:

{قل ادعوا الذين زعمتم} أنهم آلهة {من دونه} أي: من سواه كالملائكة وعزير والمسيح. وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وعاصم والكسائي بضم اللام من قل وكسرها عاصم وحمزة كل هذا في حال الوصل، وأما الابتداء فالجميع ابتدؤوا بهمزة مضمومة {فلا يملكون كشف الضر} أي: البؤس الذي من شأنه أن يمرض الجسم كله {عنكم} حتى لا يدعوا شيئاً منه {ولا تحويلاً} له إلى غيركم. فقال ابن عباس: إنها نزلت في الذين عبدوا المسيح وعزيراً والملائكة والشمس والقمر والنجوم، وقيل: إنّ قوماً عبدوا نفراًمن الجنّ فأسلم النفر من الجن وبقي أولئك القوم متمسكين بعبادتهم فنزلت فيهم هذه الآية. وقيل إنّ المشركين أصابهم قحط شديد حتى أكلوا الكلاب والجيف، فاستغاثوا بالنبي صلى الله عليه وسلم ليدعوا لهم فنزل {قل} للمشركين {ادعوا الذين زعمتم أنهم آلهة من دونه} (الأنعام، 94)

وليس المراد الأصنام لأنه تعالى قال في وصفهم:

{أولئك الذين يدعون} أي: يدعونهم الكفار ويتألهونهم {يبتغون} أي: يطلبون طلباً عظيماً {إلى ربهم} أي: المحسن إليهم {الوسيلة} أي: المنزلة والدرجة والقربة لأعمالهم الصالحة، وابتغاء الوسيلة إلى الله تعالى لا يليق بالأصنام البتة. وقرأ أبو عمرو في الوصل بكسر الهاء والميم وحمزة والكسائي بضم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015