عليهم وإنجاء آبائهم من الغرق بحملهم مع نوح في السفينة. قال قتادة: الناس كلهم من ذرّية نوح لأنه كان معه في السفينة ثلاث بنين سام وحام ويافث، فالناس كلهم من ذرّية أولئك. قال البقاعي: لأنّ الصحيح أنّ من كان معه من غير ذرّيته ماتوا ولم يعقبوا ولم يقل ذرّية نوح ليعلم أنهم عقب أولاده المؤمنين لتكون تلك منة أخرى.

ثم إنه تعالى أثنى على نوح حثاً على الاقتداء به في التوحيد كما اقتدى به آباؤهم في ذلك بقوله تعالى: {إنه كان عبداً شكوراً} أي: مبالغاً في الشكر الذي هو صرف العبد جميع ما أنعم الله تعالى به عليه لما خلق له. روي أنه عليه الصلاة السلام كان إذا أكل قال: «الحمد لله الذي أطعمني، ولو شاء أجاعني» وفي رواية «أنه يسمي إذا أكل ويحمد إذا فرغ، وإذا شرب قال: الحمد لله الذي سقاني ولو شاء أظمأني. وإذا اكتسى قال: الحمد لله الذي كساني ولو شاء أعراني. وإذا احتذى قال: الحمد لله الذي حداني ولو شاء أحفاني. وإذا قضى حاجته قال: الحمد لله الذي أخرج عني أذاه في عافية ولو شاء حبسه» . وفي رواية أنه كان يقول: «الحمد لله الذي أذاقني لذته وأبقى منفعته في جسدي وأخرج عني أذاه» . وفي رواية: أنه كان إذا أراد الإفطار عرض طعامه على من مرّ به فإن وجده محتاجاً آثره به. ولما ذكر تعالى إنعامه على بني إسرائيل بإنزال التوراة عليهم، وبأنه جعل التوراة هدى لهم بين أنهم ما اهتدوا بهداه بل وقعوا في الفساد بقوله تعالى:

{وقضينا} أي: أوحينا {إلى بني إسرائيل} أي: إلى بني عبدنا يعقوب عليه السلام الذي كان أطوع أهل زمانه وحياً مقطوعاً مثبوتاً {في الكتاب} أي: التوراة التي قد أوصلناها إليهم على لسان موسى عليه السلام وقيل: المراد بالكتاب اللوح المحفوظ، وقوله تعالى: {لتفسدنّ} جواب قسم محذوف ويجوز أن يجري القضاء المثبوت مجرى القسم فيكون لتفسدنّ جواباً له كأنه قال: وأقسمنا لتفسدنّ {في الأرض} أي: أرض الشام قاله السيوطي. وقال الرازي: أرض مصر ويوافق الأوّل قول البقاعي أي: المقدّسة التي كأنها لشرفها هي الأرض. {مرّتين} أي: إفسادتين. قال في «الكشاف» : أولاهما قتل زكريا عليه السلام وحبس أرميا حين أنذرهم بسخط الله تعالى، والأخرى قتل يحيى بن زكريا وقصد قتل عيسى بن مريم. وقال البيضاوي: الأولى مخالفة أحكام التوراة وقتل شعيا أو قتل أرميا. وثانيتهما قتل زكريا ويحيى وقصد قتل عيسى عليهم السلام. {ولتعلنّ} أي: بما صرتم إليه من البطر لنسيان المنعم {علوّاً كبيراً} بالظلم والتمرّد لأنه يقال لكل متجبر قد علا وتعظم {فإذا جاء وعد أولاهما} أي: أولى مرّتي الفساد وهو الوقت الذي جدّدنا لهم الانتقام فيه {بعثنا عليكم عباداً لنا} أي: لا يدان لكم بهم كما قال تعالى: {أولي بأس شديد} أي: أصحاب قوّة في الحرب. واختلف فيهم فقال في «الكشاف» : سنحاريب وجنوده، وقيل بختنصر. وقال ابن عباس: جالوت قتلوا علماءهم وأحرقوا التوراة وخرّبوا المساجد وسبوا منهم سبعين ألفاً. وقال البيضاوي: عباداً لنا بختنصر عامل لهراسف على بابل وجنوده، وقيل: جالوت الحزري وهو بحاء فزاي: مفتوحتين فراء نسبة إلى الحزر وهو ضيق العين وصغرها، وهو الذي قتله داود أو جيل من الناس. وذكر الرازي في ذلك قولين: الأوّل: أنّ الله تعالى سلط عليهم بختنصر فقتل منهم أربعين ألفاً ممن يقرأ التوراة وذهب

طور بواسطة نورين ميديا © 2015