نزلت آية فيها شدّة ثم نزلت آية ناسخة لها يقولون إن محمداً يستهزئ بأصحابه يأمرهم اليوم بأمر وينهاهم عنه غداً ما هو إلا مفتر يتقوله من تلقاء نفسه نزل.

{وإذا بدّلنا} أي: بقدرتنا بالنسخ {آية} سهلة كالعدّة بأربعة شهور وعشر وقتال الواحد من المسلمين لاثنين من الكفار، أو شاقة كتحريم الخمر وإيجاب الصلوات الخمس فجعلناها {مكان آية} شاقة كالعدّة بحول ومصابرة عشرة من الكفار أو سهلة كالآيات المتضمنة لإباحة الخمر والتبديل رفع الشيء ووضع غيره مكانه {والله} أي: الذي له الإحاطة الشاملة {أعلم بما ينزل} من المصالح بحسب الأوقات والأحوال بنسخ أو غيره {قالوا} أي: الكفار {إنما أنت} يا محمد {مفتر} أي: متقوّل على الله تعالى تأمر بشيء ثم يبدو لك فتنهى عنه وهو جواب إذا. {والله أعلم بما ينزل} اعتراض، والمعنى: والله أعلم بما ينزل من الناسخ والمنسوخ والتغليظ والتخفيف، أي: هو أعلم بجميع ذلك ومصالح العباد، وهذا توبيخ للكفار على قولهم إنما أنت مفتر، أي: إذا كان هو أعلم بما ينزل فما لهم ينسبون محمداً إلى الافتراء لأجل التبديل والنسخ {بل أكثرهم} وهم الذين يستمرّون على الكفر {لا يعلمون} حكمة فائدة النسخ والتبديل ولا يميزون الخطأ من الصواب، فإن الله تعالى أعلم بمصالح العباد كما أنّ الطبيب يأمر المريض بشربة ثم بعد مدّة ينهاه عنها، ويأمره بغيرها بضدّ تلك الشربة، ثم أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بالردّ عليهم بقوله تعالى:

{قل} لمن واجهك بذلك منهم {نزّله} أي: القرآن بحسب التدريج لأجل أتباع المصالح بإحاطة علم المتكلم به {روح القدس} أي: جبريل عليه السلام وإضافة الروح إلى القدس وهو الطهر كما يقال: حاتم الجود، وزيد الخير، والمراد الروح المقدّس، وحاتم الجواد، وزيد الخير. والمقدّس المطهر من المآثم {من ربك بالحق} أي: متلبساً بالحكمة {ليثبت الذين آمنوا} أي: ليثبت بالقرآن قلوب الذين آمنوا فيزدادوا إيماناً ويقيناً {وهدى} أي: بياناً واضحاً {وبشرى للمسلمين} أي: المنقادين لحكمك. فإن قيل: ظاهر الآية أن القرآن لا ينسخ بالسنة لقوله تعالى: {وإذا بدّلنا آية مكان آية} إذ متقضاه أنّ الآية لا تنسخ إلا بأخرى؟ أجيب: بأنّ هذه الآية دلت على أنه تعالى يبدّل آية بآية ولا دلالة فيها على أنه لا يبدّل آية إلا بآية، وأيضاً فجبريل عليه السلام ينزل بالسنة كما ينزل بالآية. ولما كان المشركون يقولون: إن محمداً إنما يتعلم هذه القصص وهذه الأخبار من إنسان آخر وهو آدمي مثله وليس هو من عند الله كما يزعم نزل قوله تعالى:

{ولقد نعلم} أي: علماً مستمرّاً {أنهم يقولون إنما يعلّمه بشر} واختلف في البشر الذي قال المشركون إنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم يتعلم منه فقيل: هو عبد لبني عامر بن لؤيّ يقال له: يعيش كان يقرأ الكتب، وقيل: عداس غلام عتبة بن ربيعة، وقيل: عبد لبني الحضرمي صاحب كتب، وكان اسمه خيراً فكانت قريش تقول: عبد بني الحضرمي يعلّم خديجة وخديجة تعلّم محمداً، وقيل: كان بمكة نصراني أعجميّ اللسان اسمه بلعام، ويقال: ابن ميسرة يتكلم بالرومية، وقيل: سلمان الفارسي، وبالجملة فلا فائدة في تعداد هذه الأسماء والحاصل أنّ القوم اتهموه بأنه يتعلم هذه الكلمات من غيره ثم إنه يظهرها من نفسه، ويزعم أنه إنما عرفها بالوحي وهو كاذب فيه فأجاب

طور بواسطة نورين ميديا © 2015