تعالى عنه: والإسرار أولى في الصلاة. وفي قول يجهر كما يفعل خارج الصلاة. {بالله} أي: سل الذي له الكمال كله أن يعيذك {من الشيطان} أي: المحترق باللعنة {الرجيم} أي: المطرود عن الرحمة من أن يصدّك بوساوسه عن اتباعه ويدخل في ذلك جميع المردة من الشياطين لأنّ لهم قدرة على إلقاء الوسوسة في قلوب بني آدم بإقدار الله تعالى على ذلك. وقيل: المراد إبليس خاصة والاستعاذة بالله تعالى هي الاعتصام به، والخطاب للنبيّ صلى الله عليه وسلم ويدخل فيه غيره من أمّته وظاهر الآية وجوب الاستعاذة، وإليه ذهب عطاء سواء كانت القراءة في الصلاة أم في غيرها، واتفق سائر الفقهاء على أنها سنة في الصلاة وغيرها والصارف لهذا الأمر عن الوجوب أحاديث كثيرة منها القراءة بدون ذكر تعوّذ كحديث البخاري وغيره عن أبي سعيد بن العلاء رضي الله تعالى عنه أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «ما منعك أن تجيبني؟ قال: كنت أصلي. قال ألم يقل الله: {استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم} (الأنفال، 24)

ثم قال: لأعلمنك سورة هي أعظم سورة في القرآن {الحمد لله رب العالمين} » . وفي رواية الموطأ أنه صلى الله عليه وسلم نادى أبيّاً وأنه قال له: «كيف تقرأ إذا افتتحت الصلاة؟ قال: أبيّ: فقرأت {الحمد لله رب العالمين} حتى أتيت إلى آخرها» ، وظاهر الآية يدل على أنّ الاستعاذة بعد القراءة وإليه ذهب جماعة من الصحابة والتابعين وهو قول أبي هريرة وإليه ذهب مالك وداود الظاهريّ. قالوا: لأنّ قارئ القرآن يستحق ثواباً عظيماً وربما حصل الوسواس في قلب القارئ هل حصل له ذلك الثواب أو لا، فإذا استعاذ بعد القرءاة اندفعت تلك الوساوس وبقي الثواب مخلصاً والذي ذهب إليه الأكثرون من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الأئمة وفقهاء الأمصار أنّ الاستعاذة مقدّمة على القراءة قالوا: ومعنى الآية إذا أردت أن تقرأ القرآن فاستعذ بالله وتبعتهم على ذلك فلهذا قدّرت ذلك في الآية الكريمة، ومثل ذلك قوله تعالى: {إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم} (المائدة، 6)

ومثله من الكلام إذا أكلت فسمّ،، أي: إذا أردت أن تأكل فقل: بسم الله الرحمن الرحيم، وإذا سافرت فتأهب، أي: إذا أردت السفر فتأهب، وأيضاً الوسوسة إنما تحصل في أثناء القراءة فتقديم الاستعاذة على القراءة لتذهب الوسوسة عنه أولى من تأخيرها عن وقت الحاجة إليها. ولما أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بالاستعاذة من الشيطان، وكان ذلك يوهم أنّ للشيطان قدرة على التصرّف في إتيان الإنسان أزال الله تعالى ذلك الوهم وبيّن أنه لا قدرة له ألبتة إلا على الوسوسة بقوله تعالى:

{إنه ليس له سلطان} أي: بحيث لا يقدر المسلط عليه على الانفكاك عنه. {على الذين آمنوا} أي: بتوفيق ربهم لهم. {وعلى ربهم} وحده {يتوكلون} أي: على أوليائه المؤمنين به والمتوكلين عليه، فإنهم لا يقبلون منه ولا يطيعونه فيما يريد منهم من اتباع خطواته. وعن سفيان الثوريّ قال: ليس له سلطان على أن يحملهم على ذنب لا يغفر لهم، ثم وصل تعالى بذلك ما أفهمه من أنّ له سلطاناً على غيرهم بقوله:

{إنما سلطانه} أي: الذي يتمكن به غاية التمكن بإمكان الله تعالى له: {على الذين يتولونه} أي: يجيبونه ويطيعونه {والذين هم به} أي: بالله تعالى {مشركون} وقيل الضمير راجع إلى الشيطان والمعنى هم بسببه مشركون بالله. ولما كان المشركون إذا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015