يوم أو واذكر لهم يوم {نبعث} بعد البعث {من كل أمّة شهيداً} هو نبيها كما قال تعالى: {فكيف إذا جئنا من كل أمّة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً} (النساء، 41)
يشهد نبيها لها وعليها يوم القيامة ليحكم تعالى بقوله إجراء للأمر على ما يتعارفون وإن كان تعالى غنياً عن شهيد. وقوله تعالى: {ثم لا يؤذن للذين كفروا} فيه وجوه: أحدها: لا يؤذن لهم في الاعتذار كقوله تعالى: {ولا يؤذن لهم فيعتذرون} (المرسلات، 36)
. ثانيها: لا يؤذن لهم في كثرة الكلام. ثالثها: لا يؤذن لهم في الرجوع إلى دار الدنيا وإلى التكليف. رابعها: لا يؤذن لهم في حال شهادة الشهود بل يسكت أهل الجمع كلهم ليشهد الشهود. فإن قيل: ما معنى ثم ههنا؟ أجيب: بأنّ معناها أنهم يمتحنون، أي: يبتلون بغير شهادة الأنبياء عليهم السلام بما هو أطمّ منها وأنهم يمنعون الكلام فلا يؤذن لهم في إلقاء معذرة ولا إدلاء بحجة {ولا هم يستعتبون} أي: لا تزال عتباهم وهي ما يعتبون عليها ويلامون، يقال: استعتبت فلاناً بمعنى اعتبته، أي: أزلت عتباه.
{وإذا رأى الذين ظلموا} أي: ظلموا أنفسهم بالكفر والمعاصي {العذاب} أي: عذاب جهنم بعد الموقف وشهادة الشهداء {فلا يخفف عنهم} ذلك العذاب {ولا هم ينظرون} أي: لا يمهلون. ولما بين تعالى حاصل أمرهم في البعث وما بعده وكان من أهمّ المهمّ أمرهم في الموقف مع شركائهم الذين كانوا يرجونهم عطف على ذلك بقوله تعالى:
{وإذا رأى} أي: بالعين يوم القيامة {الذين أشركوا شركاءهم} أي: الآلهة التي كانوا يدعونها شركاء من الشياطين وغيرها {قالوا ربنا} أي: يا من أحسن إلينا وربانا {هؤلاء شركاؤنا} أضافوهم إلى أنفسهم لأنه لا حقيقة لشركتهم سوى تسميتهم لها الموجبة لضرّهم ثم بينوا المراد بقولهم: {الذين كنا ندعوا} أي: نعبدهم {من دونك} ليقرّبونا إليك فأكرمنا لأجلهم جرياً على مناهجهم في الدنيا في الجهل والغباوة فخاف شركاؤهم من عواقب هذا القول والإقرار عليه سطوات الغضب {فألقوا} أي: الشركاء {إليهم} أي: المشركين {القول} أي: بادروا به حتى كان إسراعهم إليه إسراع شيء ثقيل يلقى من علو وأكدوا قولهم فقالوا: {إنكم لكاذبون} في جعلنا شركاء أو أنكم عبدتمونا حقيقة وإنما عبدتم أهواءكم كقوله تعالى: {كلا سيكفرون بعبادتهم} (مريم، 82)
ولا يبعد أن تنطق الأصنام بذلك يومئذ في أنهم حملوهم على الكفر وألزموهم إياه كقوله: {وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي} (إبراهيم، 22)
. {وألقوا} أي: الشركاء {إلى الله} أي: الملك الأعلى {يومئذٍ} أي: يوم القيامة {السلم} أي: الاستسلام بحكمه بعد الاستكبار في الدنيا {وضلّ} أي: غاب {عنهم} أي: الكفار {ما كانوا يفترون} أي: من أنّ آلهتهم تشفع لهم. ولما ذكر تعالى وعيد الذين كفروا أتبعه بوعيد من ضمّ إلى كفره صد الغير عن سبيل الله بقوله تعالى:
{الذين كفروا وصدّوا عن سبيل الله} أي: ضموا مع كفرهم أنهم منعوا الناس عن الدخول في الإيمان بالله وبرسوله {زدناهم عذاباً} لصدّهم {فوق العذاب} المستحق بكفرهم {بما كانوا يفسدون} أي: بكونهم مفسدين بصدّهم، وقيل: زدناهم عذاباً بحيات وعقارب كأمثال البخت يستغيثون بالهرب منها إلى النار ومنهم من ذكر أنّ لكل عقرب ستمائة نقرة في كل نقرة ثلاثمائة قلة من سم، وقيل: عقارب لها أنياب كالنخل الطوال ثم كرّر سبحانه