أي: يتمنى {الذين كفروا} إذا عاينوا حالهم وحال المسلمين في ذلك اليوم {لو كانوا مسلمين} وقيل: حين يعاينوا حال المسلمين عند نزول النصر وحلول الموت، ورب للتكثير، فإنه يكثر منهم تمنى ذلك. وقيل: للتقليل، فإنّ الأهوال تدهشهم، فلا يفيقون حتى يتمنوا ذلك إلا في أحيان قليلة. فإن قيل: لم دخلت رب على المضارع وقد أبوا دخولها إلا على الماضي؟ أجيب: بأنّ المترقب في أخبار الله تعالى بمنزلة الماضي المقطوع به في تحقيقه، فكأنه قيل: ربما ودّ. وقرأ عاصم ونافع بتخفيف باء ربما، والباقون بالتشديد. قال أبو حاتم: أهل الحجاز يخففون ربما، وقيس وبكر يثقلونها، ولما تمادوا في طغيانهم قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم
{ذرهم} ، أي: دعهم عن النهي عما هم عليه والصدّ عنه بالتذكرة والنصيحة، وخلهم {يأكلوا ويتمتعوا} بدنياهم وتنفيذ شهواتهم، والتمتع التلذذ، وهو طلب اللذة حالاً بعد حال كالتقرب في أنه طلب القرب حالاً بعد حال. {ويلههم الأمل} ، أي: ويشغلهم توقعهم لطول الأعمار، واستقامة الأحوال عن أخذ حظهم من السعادة، وعن الاستعداد للمعاد. وقرأ أبو عمرو في الوصل بكسر الهاء والميم، وحمزة والكسائي برفع الهاء والميم، والباقون بكسر الهاء ورفع الميم. وأمّا الوقف فالجميع بكسر الهاء، والكلام على الهاء الثانية، وأمّا الهاء الأولى فمكسورة للجميع وقفاً ووصلاً. ولما كان هذا أمراً لا يشتغل به إلا أحمق تسبب عنه التهديد بقوله تعالى: {فسوف يعلمون} ، أي: ما يحل بهم بعدما فسحنا لهم في زمن التمتع من سوء صنيعهم، وهذا قبل الأمر بالقتال. تنبيه: في الآية دليل على أنّ إيثار التلذذ والتنعم في الدنيا يؤدّي إلى طول الأمل وليس ذلك من أخلاق المؤمنين. وعن بعضهم: التمتع في الدنيا من أخلاق الهالكين والأخبار في ذم الأمل كثيرة منها قوله صلى الله عليه وسلم «يهرم ابن آدم ويشب معه اثنتان الحرص على المال والحرص على العمر» . وعن علي رضي الله تعالى عنه: إنما أخشى عليكم اثنتين طول الأمل واتباع الهوى، فإنّ طول الأمل ينسي الآخرة واتباع الهوى يصدّ عن الحق. ولما هددهم تعالى بآية التمتع وإلهاء الأمل أتبعه بما يؤكد الزجر. بقوله تعالى:
{وما أهلكنا من قرية} ، أي: من القرى، والمراد أهلها ومن مزيدة {إلا ولها كتاب معلوم} ، أي: أجل مضروب محدود مكتوب في اللوح المحفوظ لهلاكها. تنبيه: المستثنى جملة واقعة صفة لقرية والأصل أن لا تدخلها الواو، كقوله تعالى: {إلا لها منذرون} (الشعراء، 208)
وإنما توسطت لتأكيد لصوق الصفة بالموصوف كما يقال في الحال: جاءني زيد عليه ثوب وجاءني وعليه ثوب. فائدة: رسم كتاب هنا بإثبات الألف. ثم بيّن تعالى الآية السابقة بقوله تعالى:
{ما تسبق} وأكد الاستغراق بقوله تعالى: {من أمة} وقيل: من مزيدة كقولك: ما جاءني من أحد، أي: أحد وبيّن أنّ المراد بالكتاب الأجل بقوله تعالى: {أجلها} ، أي: الذي قدّرناه لها. {وما يستأخرون} ، أي: عنه. تنبيه: أنث الأمة أولاً ثم ذكرها آخراً حملاً على اللفظ الأوّل وعلى المعنى في الثاني. قال البقاعي: وإنما ذكره لئلا يصرفوه إلى خطابه صلى الله عليه وسلم تعنتاً وفي الآية دليل على أنّ كل من مات أو قتل فإنما مات بأجله وإن من قال بجواز أن يموت قبل أجله مخطئ. ولما بالغ تعالى في تهديد الكفار ذكر