وفد على معاوية، فلما خرج تبعه بعض حجابه فقال: إني رجل ذو مال ولا يولد لي فعلمني شيئاً لعل الله يرزقني ولداً. فقال: عليك بالاستغفار. فكان يكثر الاستغفار حتى ربّما استغفر في يوم واحد سبعمائة مرّة فولد له عشر بنين، فبلغ ذلك معاوية فقال: هلا سألته ممّ قال ذلك؟ فوفد مرّة أخرى فسأله الرجل فقال: ألم تسمع قول هود: {ويزدكم قوّة إلى قوّتكم} وقول نوح: {ويمددكم بأموالٍ وبنين} (نوح، 13) . {ولا تتولوا} أي: ولا تعرضوا عن قبول قولي ونصحي حالة كونكم {مجرمين} أي: مشركين. ولما حكى الله تعالى عن هود ما ذكره لقومه حكى أيضاً ما ذكره قومه له وهو أشياء: أوّلها: ذكره تعالى بقوله:

{قالوا يا هود ما جئتنا ببينة} أي: بحجة تدل على صحة دعواك. وسميت بينة؛ لأنها تبين الحق، ومن المعلوم أنه عليه الصلاة والسلام كان قد أظهر لهم المعجزات إلا أن القوم لجهلهم أنكروها وزعموا أنه ما جاء بشيء من المعجزات. وثانيها: قولهم: {وما نحن بتاركي آلهتنا} أي: عبادتها، وقولهم: {عن قولك} أي: صادرين عن قولك حال من الضمير في تاركي، وهذا أيضاً من جهلهم فإنهم كانوا يعرفون أنّ النافع والضارّ هو الله تعالى وأن الأصنام لا تضر ولا تنفع وذلك حكم فطرة العقل وبديهة النفس، وثالثها: قولهم: {وما نحن لك بمؤمنين} أي: مصدّقين، وفي ذلك إقناط له من الإجابة والتصديق. ورابعها: قولهم:

{إن} أي: ما {نقول} في شأنك {إلا اعتراك} أي: أصابك {بعض آلهتنا بسوء} لسبك إياها فجعلتك مجنوناً وأفسدت عقلك، ثم إنه تعالى ذكر أنهم لما قالوا ذلك {قال} هود عليه السلام مجيباً لهم: {إني أشهد الله} عليّ {واشهدوا} أنتم أيضاً عليّ {أني بريء مما تشركون} . {من دونه} أي: الله وهو الأصنام التي كانوا يعبدونها {فكيدوني} أي: احتالوا في هلاكي {جميعاً} أنتم وأصنامكم التي تعتقدون أنها تضر وتنفع فإنها لا تضرّ ولا تنفع.

فائدة: اتفق القراء على إثبات الياء في كيدوني هنا وقفاً ووصلاً لثباتها في المصحف {ثم لا تنظرون} أي: تمهلون، وهذا فيه معجزة عظيمة لهود عليه السلام؛ لأنه كان وحيداً في قومه وقال لهم هذه المقالة ولم يهبهم ولم يخف منهم مع ما هم فيه من الكفر والجبروت ثقة بالله تعالى كما قال تعالى:

{إني توكلت على الله ربي وربكم} أي: فوضت أمري إليه واعتمدت عليه {ما من دابة} تدب على الأرض ويدخل في هذا جميع بني آدم والحيوان؛ لأنّهم يدبون على الأرض. {إلا هو آخذ بناصيتها} أي: مالكها وقاهرها فلا يقع نفع ولا ضر إلا بإذنه والناصية كما قال الأزهري: عند العرب منبت الشعر في مقدّم الرأس، وسمي الشعر النابت هنا ناصية باسم منبته، والعرب إذا وصفوا إنساناً بالذلة والخضوع قالوا: ما ناصية فلان إلا بيد فلان، وكانوا إذا أسروا الأسير وأرادوا إطلاقه والمنّ عليه جزوا ناصيته ليكون ذلك علامة لقهره، فخوطبوا في القرآن بما يعرفون من كلامهم {إن ربي على صرط مستقيم} أي: طريق الحق والعدل فلا يظلمهم ولا يعمل إلا بالإحسان والإنصاف فيجازي المحسن بإحسانه والمسيء بعصيانه. وقوله تعالى:

{فإن تولّوا} فيه حذف إحدى التاءين، أي: تعرضوا {فقد أبلغتكم} جميع {ما أرسلت به إليكم} فإن قيل: الإبلاغ كان قبل التولي فكيف وقع جزاء للشرط؟ أجيب: بأنّ معناه فإن تتولوا لم أعاتب على تقصير من جهتي وصرتم محجوجين؛ لأنكم أنتم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015