الكفار يستعجلون نزول العذاب فذكر تعالى قصة نوح في بيان أنّ قومه كانوا يكذبونه بسبب أنّ العذاب ما كان يظهر ثم في العاقبة ظهر فكذا في واقعة محمد صلى الله عليه وسلم وفي هذه السورة ذكرت لأجل أنّ الكفار كانوا يبالغون في الإيحاش فذكرها الله تعالى لبيان أنّ إقدام الكفار على الإيذاء والإيحاش كان

حاصلاً في زمان

نوح عليه السلام، فلما صبر فاز وظفر، فكن يا محمد كذلك لتنال المقصود، ولما كان وجه الانتفاع بهذه القصة في كل سورة من وجه آخر لم يكن تكريرها خالياً عن الحكمة والفائدة.

القصة الثانية: من القصص التي ذكرها الله تعالى في هذه السورة قصة هود عليه السلام المذكورة في قوله تعالى:

{س11ش50/ش55 وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا? قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا? اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ اله غَيْرُهُ??? إِنْ أَنتُمْ إِs مُفْتَرُونَ * يَاقَوْمِ ? أَسْـ?َلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا? إِنْ أَجْرِىَ إِs عَلَى الَّذِى فَطَرَنِى?? أَفَ تَعْقِلُونَ * وَيَاقَوْمِ اسْتَغْفِرُوا? رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُو?ا? إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَآءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَتَتَوَلَّوْا? مُجْرِمِينَ * قَالُوا? يَاهُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِى? ءَالِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ * إِن نَّقُولُ إِs اعْتَرَ?ـاكَ بَعْضُءَالِهَتِنَا بِسُو?ءٍ? قَالَ إِنِّى? أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُو?ا? أَنِّى بَرِى?ءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ * مِن دُونِهِ?? فَكِيدُونِى جَمِيعًا ثُمَّ تُنظِرُونِ}

{وإلى عاد} أي: وأرسلنا إلى عاد {أخاهم} فهو معطوف على قوله تعالى نوحاً، وقوله تعالى: {هوداً} عطف بيان ومعلوم أنّ تلك الأخوة ما كانت في الدين، وإنما كانت في النسب لأنّ هوداً كان رجلاً من قبيلة عاد قبيلة من العرب كانوا بناحية اليمن. فإن قيل: إنه تعالى قال في ابن نوح إنه ليس من أهلك فبيّن أنّ قرابة النسب لا تفيد إذا لم تحصل قرابة الدين، وهنا أثبت هذه الأخوة مع الاختلاف في الدين؟ أجيب: بأنّ قوم محمد صلى الله عليه وسلم كانوا يستبعدون أن يكون رسولاً من عند الله تعالى مع أنه واحد من قبيلتهم، فذكر الله تعالى أنّ هوداً كان واحداً من عاد، وأنّ صالحاً كان واحداً من ثمود لإزالة هذا الاستبعاد، ولما تقدّم أمر نوح عليه السلام مع قومه استشرف السامع إلى معرفة ما قال هود عليه السلام هل هو مثل قوله أولاً؟ فاستأنف الجواب بقوله: {قال يا قوم اعبدوا الله} أي: وحدوه ولا تشركوا معه شيئاً في العبادة. {ما لكم من إله غيره} أي: هو إلهكم؛ لأنّ هذه الأصنام التي تعبدونها حجارة لا تضر ولا تنفع. فإن قيل: كيف دعاهم إلى عبادة الله تعالى قبل إقامة الدليل على ثبوت الإله؟ أجيب: بأنّ دلائل وجود الله تعالى ظاهرة وهي دلائل الآفاق والأنفس وقلما يوجد في الدنيا طائفة ينكرون وجود الإله، ولذلك قال تعالى في صفة الكفار: {ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولنّ الله} (لقمان، 25) . وقرأ الكسائي بكسر الراء والهاء صفة على اللفظ والباقون بالرفع صفة على محل الجار والمجرور ومن زائدة {إن أنتم إلا مفترون} أي: كاذبون في عبادتكم غيره. وكرر قوله:

{يا قوم} للاستعطاف، وقوله: {لا أسألكم عليه أجراً إن أجري إلا على الذي فطرني} أي: خلقني، خاطب به كل رسول قومه إزالة للتهمة وتمحيضاً للنصيحة فإنها لا تنجع ما دامت مشوبة بالمطامع {أفلا تعقلون} أي: افلا تستعملون عقولكم فتعرفوا المحق من المبطل والصواب من الخطأ فتتعظون. ثم قال:

{ويا قوم} أيضاً لما ذكر {استغفروا ربكم} أي: آمنوا به {ثم توبوا إليه} من عبادة غيره؛ لأنّ التوبة لا تصح إلا بعد الإيمان {يرسل السماء} أي: المطر {عليكم مدراراً} أي: كثير الدر {ويزدكم قوّة إلى قوّتكم} أي: ويضاعف قوّتكم، وإنما رغبهم بكثرة المطر وزيادة القوّة؛ لأنّ القوم كانوا أصحاب زرع وبساتين وعمارات حراصاً عليها أشدّ الحرص، فكانوا أحوج شيء إلى الماء، وكانوا مذلين غيرهم بما أوتوا من شدّة القوّة والبطش والبأس والنجدة، مهابين في كل ناحية، وقيل: أراد القوّة في المال. وقيل: القوة على النكاح. وقيل: حبس عنهم المطر ثلاث سنين وعقمت أرحام نسائهم. وعن الحسن بن علي رضي الله تعالى عنهما أنه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015