عليكم عذاب يوم كبير} هو يوم القيامة وصف بالكبر كما وصف بالعظم والثقل. وقيل يوم الشدائد وقد ابتلوا بالقحط حتى أكلوا الجيف.
{إلى الله مرجعكم} أي: رجوعكم في ذلك اليوم فيثيب المحسن على إحسانه، ويعاقب المسيء على إساءته {وهو على كل شيء قدير} أي: قادر على جميع المقدورات لا دافع لقضائه ولا مانع لمشيئته، ومنه الثواب والعقاب، وفي ذلك دلالة على قدرة عالية وجلالة عظيمة لهذا الحاكم وعلى ضعف لهذا العبد، والملك القاهر العالي إذا رأى عاجزاً مشرفاً على الهلاك فإنه يخلصه من الهلاك، ومنه المثل المشهور: ملكت فأسحج () ، أي: فاعف، يقول مصنف هذا الكتاب: قد أفنيت عمري في خدمة العلم ومطالعة الكتب ولا رجاء لي في شيء إلا أني في غاية الذلة والقصور. والكريم إذا قدر عفا. فأسألك يا أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين وساتر عيوب المعيوبين أن تفيض سجال رحمتك عليّ وعلى والديّ وأولادي وإخواني وأحبابي، وأن تخصني وإياهم بالفضل والتجاوز والجود والكرم. واختلفوا في سبب نزول قوله تعالى:
{ألا إنهم يثنون صدورهم} فقال ابن عباس: نزلت في الأخنس بن شريق وكان رجلاً حلو الكلام حلو المنظر يلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يحب وينطوي بقلبه على ما يكره فمعنى قوله تعالى: {يثنون صدورهم} يخفون ما في صدورهم من الشحناء والعداوة. وقال عبد الله بن شدّاد: نزلت في بعض المنافقين كان إذا مرّ برسول الله صلى الله عليه وسلم ثنى صدره وظهره وطأطأ رأسه وغطى وجهه كي لا يراه النبيّ صلى الله عليه وسلم وقال قتادة: كانوا يحنون ظهورهم كي لا يسمعوا كلام الله تعالى ولا ذكره. وروى البخاري عن ابن عباس أنها نزلت فيمن كان يستحي أن يتخلى أو يجامع فيفضي إلى السماء. وقيل: كان الرجل من الكفار يدخل بيته ويرخي ستره ويتغشى بثوبه ويقول: هل يعلم الله ما في قلبي. وقال السدي: يثنون صدورهم: أي: يعرضون بقلوبهم من قولهم ثنيت عناني {ليستخفوا منه} أي: من الله تعالى بسرهم فلا يطلع رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنون عليه. وقيل: من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد قيل: إنها نزلت في طائفة من المشركين قالوا: إن أرخينا علينا ستوراً واستغشينا ثياباً وطوينا صدورنا على عداوة محمد كيف يعلم {ألا حين يستغشون ثيابهم} أي: يأوون إلى فراشهم ويتغطون بثيابهم {يعلم} تعالى {ما يسرّون} في قلوبهم {وما يعلنون} بأفواههم، أي: أنه لا تفاوت في علمه تعالى بين إسرارهم وإعلانهم، فلا وجه لتوصلهم إلى ما يريدون من الإخفاء {إنه} تعالى {عليم بذات الصدور} أي: بالقلوب وأحوالها. ولما أعلم تعالى ما يسرّون وما يعلنون أردفه بما يدل على كونه عالماً بجميع المعلومات بقوله تعالى:
{وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها} فذكر تعالى أن رزق كل حيوان إنما يصل إليه من الله تعالى، فلو لم يكن عالماً بجميع المعلومات لما حصلت هذه المهمات، والدابة اسم كل حيوان دب على وجه الأرض، ولا شك أن أقسام الحيوانات وأنواعها كثيرة وهي الأجناس التي تكون في البرّ والبحر والجبال، والله تعالى عالم بكيفية طباعها وأعضائها وأحوالها وأغذيتها ومساكنها وما يوافقها ويخالفها، فالإله المدبر لأطباق السموات والأرض ولطبائع الحيوانات والنبات كيف لا يكون عالماً بأحوالها