اختصاص الفضل والرحمة بالفرح دون ما عداهما من فوائد الدنيا، فحذف أحد المفعولين لدلالة المذكور عليه، والفاء داخلة لمعنى الشرط كأنه قيل: إن فرحوا بشيء فليفرحوا بهما. فإنه لا مفروح به أحق منهما. {هو} أي: المحدّث عنه من الفضل والرحمة {خير مما يجمعون} أي: من حطام الدنيا ولذاتها الفانية. وقرأ ابن عامر بالتاء على الخطاب والباقون بالياء على الغيبة.
{قل} يا محمد لكفار مكة {أرأيتم} أي: أخبروني {ما أنزل} أي: خلق {الله لكم من رزق} وأنه تعالى جعل الرزق منزلاً؛ لأنه مقدر في السماء يحصل بأسباب منها {فجعلتم منه} أي: من ذلك الرزق {حراماً وحلالاً} وهو مثل ما ذكروه من تحريم السائبة والوصيلة والحام، ومثل قولهم: هذه أنعام وحرث حجر. ومثل قولهم: هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرّم على أزواجنا. ومثل قولهم: ثمانية أزواج من الضأن اثنين {قل} لهم يا محمد {ءآلله أذن لكم} في هذا التحريم والتحليل {أم} أي: بل {على الله تفترون} أي: تكذبون على الله بنسبة ذلك إليه
{وما ظن الذين يفترون} أي: يتعمدون {على الله الكذب} أي: أيّ شيء ظنهم به {يوم القيامة} أيحسبون أن لا يؤاخذهم ولا يجازيهم على أعمالهم؟ فهو استفهام بمعنى التوبيخ والتقريع والتهديد والوعيد العظيم لمن يفتري على الله الكذب {إن الله لذو فضلٍ على الناس} بنعم كثيرة لا تحصى منها: إنزال الكتب مفصلاً، فيها ما يرضيه وما يسخطه، ومنها: إرسال الرسل عليهم الصلاة والسلام لبيانها بما يحتمله عقول الخلق منها، ومنها: طول إمهالهم على سوء أفعالهم، ومنها: إنعامه عليهم بالعقل، فكان شكره واجباً عليهم {ولكن أكثرهم} أي: الناس {لا يشكرون} هذه النعم ولا يستعملون العقل في دلائل الله تعالى ولا يقبلون دعوة أنبيائه، ولا ينتفعون باستماع كتب الله، وقوله تعالى:
{وما تكون} خطاب للنبيّ صلى الله عليه وسلم {في شأن} أي: عمل من الأعمال وجمعه شؤون، والضمير في قوله تعالى: {وما تتلو منه} إمّا للشأن؛ لأنّ تلاوة القرآن شأن من شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم بل هو معظم شأنه، وإمّا للتنزيل كأنه قيل: وما تتلو من التنزيل {من قرآن} لأنّ كل جزء منه قرآن، والإضمار قبل الذكر تفخيم له، وإما لله تعالى، والمعنى: وما تتلو من الله من قرآن نازل عليك، وقوله تعالى {ولا تعملون من عمل} أي: أيّ عمل كان تعميم للخطاب بعد تخصيصه بمن هو رئيسهم وهو النبيّ صلى الله عليه وسلم ولذلك ذكر حيث خص بما فيه فخامة وهو الشأن، وذكر حيث عمّ بقوله تعالى: من عمل، بما يتناول الجليل والحقير، وقيل: إنّ الكل داخلون في الخطابين الأوّلين أيضاً؛ لأنه من المعلوم أنه إذا خوطب رئيس القوم كان القوم داخلين في ذلك الخطاب، كما في قوله تعالى: {يا أيها النبيّ إذا طلقتم النساء} (الطلاق، 1) .
{إلا كنا عليكم شهودا} أي: رقباء نحصي عليكم أعمالكم؛ لأنّ الله تعالى رقيب على كل شيء وعالم بكل شيء إذ لا محدث ولا خالق ولا موجد إلا الله تعالى، فكل ما يدخل في الوجود هنا من أحوال العباد وأعمالهم الظاهرة والباطنة داخل في علمه وشاهد عليه {إذ تفيضون} أي: الله شاهد عليكم حين تدخلون وتخوضون {فيه} أي: ذلك العمل. وقيل: الإفاضة الدفع بكثرة. وقال الزجاج: إذ تنتشرون فيه، يقال: أفاض القوم في الحديث إذا انتشروا فيه {وما يعزب} أي: يغيب {عن ربك} يا محمد