أنه مؤمن حقاً.

الثالث: أنّ قوله: أنا مؤمن إن شاء الله تعالى للتبرّك، فهو كقوله صلى الله عليه وسلم «وإنا إن شاء الله بكم لاحقون» مع العلم القطعيّ بأنه لاحق بأهل القبور.

الرابع: أنّ المؤمن لا يكون مؤمناً حقاً إلا إذا ختم له بالإيمان، ومات عليه، وهذا لا يحصل إلا عند الموت، فلهذا السبب حسن أن يقول: أنا مؤمن إن شاء الله تعالى، فالمراد صرف هذا الاستثناء إلى الخاتمة.

الخامس: أنّ ذكر هذه الكلمة لا ينافي حصول الجزم والقطع ألا ترى أنه تعالى قال: {لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلنّ المسجد الحرام إن شاء الله آمنين} (الفتح، 27)

وهو تعالى منزه عن الشك والريب، فثبت أنه تعالى إنما ذكر ذلك تعليماً منه لعباده فالأولى ذكر هذه الكلمة الدالة على تفويض الأمور إلى الله تعالى حتى يحصل ببركة هذه الكلمة دوام الإيمان، واستدلّ الثاني بوجهين:

الأول: أنّ المتحرك يجوز أن يقول: أنا متحرّك، ولا يجوز أن يقول أنا متحرّك إن شاء الله تعالى، وكذا في القول في القائم والقاعد فكذا هنا.

الثاني: أنه تعالى قال: {أولئك هم المؤمنون حقاً} فقد حكم الله لهم بكونهم مؤمنين حقاً، فكان قوله: إن شاء الله يوجب الشك فيما قطع الله تعالى لهم به، وذلك لا يجوز، وأجاب الأوّل عن قولهم: المتحرّك لا يجوز أن يقول: أنا متحرك إن شاء الله تعالى بالفرق بين وصف الإنسان بكونه مؤمناً وبين وصفه بكونه متحركاً إذ الإيمان يتوقف حاله على الخاتمة، والحركة فعل للإنسان نفسي، فحصل الفرق بينهما، وعن قولهم: إنه تعالى قال: {أولئك هم المؤمنون حقاً} فحكم لهم بكونهم مؤمنين حقاً إذا أتوا بتلك الأوصاف الخمسة على الحقيقة، ونحن لا نعلم ذلك، فثبت حينئذ أنّ الصواب مع أصحاب القول الأوّل: {لهم} أي: للموصوفين بتلك الصفات {درجات} أي: منازل في الجنة {عند ربهم} بعضها أعلى من بعض؛ لأنّ المؤمنين تتفاوت أحوالهم في الأخذ بتلك الأوصاف المذكورة، فلهذا تتفاوت منازلهم في الجنة على قدر أعمالهم. قال عطاء: درجات الجنة يرتفعون فيها بأعمالهم، وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إنّ في الجنة مائة درجة ما بين كل درجتين مائة عام» ، وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «في الجنة مائة درجة لو أنّ العالمين اجتمعوا في إحداهنّ لوسعتهم» {ومغفرة} أي: لما فرط منهم {ورزق كريم} أعدّ لهم في الجنة لا ينقطع عدده ولا ينتهي أمده.

فإن قيل: أليس المفضول إذا علم حصول الدرجات العالية للفاضل، وحرمانه منها فإنه يتألم قلبه ويتنغص عيشه وذلك يحيل كون الثواب رزقاً حسناً؟ أجيب: بأنّ استغراق كل أحد في سعادته الحاضرة تمنعه من حصول النظر إلى غيره، وبالجملة فأحوال الآخرة لا تناسب أحوال الدنيا إلا بالاسم، وقوله تعالى:

{كما أخرجك ربك من بيتك بالحق} يقتضي تشبيه شيء بهذا الإخراج واختلفوا في تقدير ذلك، فقال المبرد: تقديره الأنفال لله والرسول وإن كرهوا كما أخرجك

طور بواسطة نورين ميديا © 2015