عقابه {أفلا يعقلون} أي: حين أخذوا ما يشقيهم ويفنى بدل ما يسعدهم ويبقى أنّ الدار الآخرة خير، وقرأ نافع وابن عامر وحفص بالتاء على الخطاب ويكون المراد الإعلام بتناهي الغضب، والباقون بالياء على الغيبة.
{والذين يمسكون بالكتاب} يقال: مسكت بالشيء وتمسكت به وأمسكت به والتمسك بالكتاب العمل بما فيه وإحلال حلاله وتحريم حرامه وإقامة حدوده والتمسك بأحكامه وقرأ شعبة بسكون الميم وتخفيف السين والباقون بفتح الميم وتشديد السين {وأقاموا الصلاة} أي: وداوموا على إقامتها في مواقيتها وإنما أفردها بالذكر وإن كانت الصلاة داخلة في التمسك بالكتاب تنبيهاً على عظم قدرها وأنها أعظم العبادات بعد الإيمان بالله تعالى وهذه الآية نزلت في الذين آمنوا من أهل الكتاب كعبد الله بن سلام وأصحابه وقوله تعالى: {إنا لا نضيع أجر المصلحين} الجملة خبر الذين وفيه وضع الظاهر موضع المضمر أي: أجرهم.
{وإذ} أي: إذ يا محمد {نتقنا} أي: رفعنا {الجبل فوقهم} أي: من أصله {كأنه ظلة} قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: كأنه سقيفة والظلة كل ما أظلك من سقف بيت أو سحابة أو جناح حائط والجمع ظلل وظلال {وظنوا} أي: أيقنوا {أنه واقع بهم} أي: ساقط عليهم بوعد الله بوقوعه إن لم يقبلوا أحكام التوراة.
روي أنهم لم يقبلوا أحكام التوراة لعظمها وثقلها فرفع الله تعالى الطور على رؤوسهم مقدار عسكرهم فكان فرسخاً في فرسخ، وقيل لهم: إن قبلتموها بما فيها وإلا ليقعنّ عليكم فلما نظروا إلى الجبل خرّ كل واحد منهم ساجداً على حاجبه وهو ينظر بعينه اليمنى خوفاً من سقوطه فلذلك لا ترى يهودياً يسجد إلا على حاجبه الأيسر ويقولون: هي السجدة التي رفعت عنا بها العقوبة، وقوله تعالى: {خذوا} هو على إضمار القول أي: قلنا لهم خذوا أو قائلين خذوا {ما آتيناكم} أي: من الكتاب وقوله تعالى: {بقوّة} أي: بجد وعزم على تحمل مشاقه حال من واوخذوا {واذكروا ما فيه} أي: بالعمل به ولا تتركوه كالمنسي {لعلكم تتقون} أي: فضائح الأعمال ورذائل الأخلاق
{وإذ} أي: واذكر يا محمد حين {أخذ ربك من بني آدم} وقوله تعالى: {من ظهورهم} بدل اشتمال مما قبله بإعادة الجار كما قاله السيوطي، أو بدل بعض كما قاله البيضاوي {ذريّاتهم} أي: بأن أخرج بعضهم من صلب بعض نسلاً بعد نسل كنحو ما يتوالدون كالذر، ونصب لهم دلائل على ربوبيته وركب فيهم عقلاً عرفوا به، كما جعل للجبال عقولاً حين خوطبوا بقوله تعالى: {يا جبال أوبي معه والطير} (سبأ، 10)
كما جعل تعالى للبعير عقلاً حتى سجد للنبيّ صلى الله عليه وسلم وكذا للشجرة حين سمعت لأمره وانقادت، وكذا للنملة حين قالت: {يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم} (النمل، 18)
. وقرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر بألف بعد الياء وكسر التاء على الجمع والباقون بغير ألف وفتح التاء على التوحيد. {وأشهدهم على أنفسهم} قال: {ألست بربكم قالوا بلى}
أنت ربنا، وعن مسلم بن يسار الجهني أنه قال: إنّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه سئل عن هذه الآية فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سئل عنها فقال: «إنّ الله تبارك وتعالى خلق آدم ثم مسح على ظهره بيمينه فاستخرج منه ذرّية» فقال: خلفت هؤلاء للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون، ثم مسح ظهره فاستخرج منه ذرّية، فقال: هؤلاء