قال الحسن: كلهم عبدوا العجل غير هارون، واحتج عليه بوجهين: الأوّل: عموم هذه الآية، والثاني: قول موسى عليه السلام في هذه القصة: {رب اغفر لي ولأخي} (الأعراف، 151)

قال: خص نفسه وأخاه بالدعاء وذلك يدلّ على أنّ من كان مغايراً لهما ما كان أهلاً للدعاء ولو بقوا على الإيمان ما كان الأمر كذلك، وقال غيره: بل كان قد بقي في بني إسرائيل من ثبت على إيمانه وإن ذلك الكفر إنما وقع في قوم مخصوصين والدليل عليه قوله: {ومن قوم موسى أمّة يهدون بالحق وبه يعدلون} (الأعراف، 159) .

{ولما سقط في أيديهم} أي: ولما ندموا على عبادة العجل، تقول العرب لكل نادم على أمر قد سقط في يده، وذلك لأنّ من شأن من اشتدّ ندمه على أمر أن يعض يده ثم يضرب فخذه فتصير يده ساقطة لأنّ السقوط عبارة عن النزول من أعلى إلى أسفل {ورأوا} أي: علموا {أنهم قد ضلوا} عن الطريق الواضح باتخاذ العجل {قالوا} توبة ورجوعاً إلى الله تعالى كما قال أبوهم آدم عليه السلام {لئن لم يرحمنا ربنا} الذي لم يقطع قط إحسانه عنا فيكف غضبه ويديم إحسانه {ويغفر لنا} أي: يمحو ذنوبنا عيناً وأثراً لئلا ينتقم منا في المستقبل {لنكوننّ من الخاسرين} أي: فينتقم منا بذنوبنا وهذا كلام من اعترف بعظيم ما قدم عليه من الذنوب وندم على ما صدر منه ورغب إلى الله تعالى في إقالة عثرته وإنما قالوا ذلك لما رجع موسى عليه السلام إليهم كما قال تعالى:

{ولما رجع موسى} أي: من مناجاته {إلى قومه غضبان} أي: من جهتهم {أسفاً} أي: لأن الله تعالى كان قد أخبره أنه قد فتن قومه وأنّ السامريّ قد أضلهم فكان موسى في حال رجوعه غضبان أسفاً، قال أبو الدرداء: الأسف أشدّ الغضب، وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: الأسف الحزن والأسيف الحزين، قال الواحدي: والقولان متقاربان لأنّ الغضب من الحزن والحزن من الغضب وقرأ حمزة والكسائي بالخطاب في يرحمنا ويغفر لنا ونصب ربنا والباقون بالغيبة ورفع الباء {قال} موسى لهم: {بئسما خلفتموني من بعدي} أي: بئس الفعل فعلكم بعد فراقي إياكم وهذا الخطاب يحتمل أن يكون لعبدة العجل من السامري وأتباعه أي: بئسما خلفتموني حيث عبدتم العجل وتركتم عبادة الله تعالى وأن يكون لهارون والمؤمنين أي: بئسما خلفتموني حيث لم تمنعوهم من عبادة غير الله تعالى والمخصوص بالذم محذوف تقديره: بئس خلافة خلفتمونيها من بعدي خلافتكم.

فائدة: اتفقوا على وصل بئسما هنا في الرسم {أعجلتم أمر ربكم} أي: أتركتموه غير تام كأنه ضمن عجل معنى سبق فعدي تعديته أو أعجلتم أمر ربكم الذي وعدنيه من الأربعين وقدرتم موتي وغيرتم بعدي كما غيرت الأمم بعد أنبيائهم.

روي أن السامريّ قال لهم حين أخرج لهم العجل وقال: هذا إلهكم وإله موسى إنّ موسى لن يرجع وإنه قد مات.

وروي أنهم عدوا عشرين يوماً بلياليها فجعلوها أربعين ثم أحدثوا ما أحدثوا {وألقى الألواح} أي: ألواح التوراة أي: طرحها من شدّة الغضب وفرط الضجر أي: عند استماعه حديث العجل حمية للدين وكان في نفسه حديداً شديد الغضب.

روي أنّ التوراة كانت سبعة أسباع في سبعة ألواح فلما ألقاها انكسرت فرفع ستة أسباعها أي: ستة أسباع ما فيها لا ستة أسباعها نفسها لقوله بعد وأخذ الألواح وكان فيها تفصيل كل شيء وبقي سبع فرفع ما كان من أخبار الغيب وبقي ما فيه المواعظ والأحكام والحلال

طور بواسطة نورين ميديا © 2015