على المبطل وفي الكلام المشهور: التكبر على المتكبر صدقة {وإن يروا كل آية} أي: منزلة أو معجزة {لا يؤمنوا بها} أي: لعنادهم وتكبرهم {وإن يروا سبيل} أي: طريق {الرشد} أي: الهدى الذي جاء من عند الله {لا يتخذوه سبيلاً} أي: طريقاً يسلكونه بقصد منهم ونظر وتعمد بل إن سلكوه فعن غير قصد. وقرأ حمزة والكسائي بفتح الراء والشين والباقون بضمّ الراء وسكون الشين {وإن يروا سبيل الغيّ} أي: الضلال {يتخذوه سبيلاً} أي: بغاية الشهوة والتعمد والاعتماد لسلوكه {ذلك} أي: هذا الصرف العظيم الذي زاد عن مطلق الصرف بالعمى عن الإيمان واتخاذ الرسالة {بأنهم} أي: بسبب أنهم {كذبوا بآياتنا} أي: الدالة على وحدانيتنا {وكانوا عنها غافلين} أي: كان دأبهم وديدنهم معاملتهم إيانا بالإعراض عنها حتى كأنها مغفول عنها فلا يفكرون فيها ولا يعتبرون بها غفلة وانهماكاً فيما يشغلهم عنها من شهواتهم، وعن الفضيل بن عياض ذكر لنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم «إذا عظمت أمّتي الدنيا نزع عنها هيبة الإسلام وإذا تركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حرمت عليهم بركة الوحي» .

{والذين كذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة} أي: وكذبوا بلقائهم الدار الآخرة التي هي موعد الثواب فهو من إضافة المصدر إلى المفعول به ويجوز أن يكون من إضافة المصدر إلى الظرف بمعنى: ولقاء ما وعد الله في الدار الآخرة {حبطت} أي: بطلت {أعمالهم} أي: ما عملوه في الدنيا من خير كصلة رحم وصدقة فلا ثواب لهم لعدم شرطه {هل} أي: ما {يجزون إلا} جزاء {ما كانوا يعملون} أي: من التكذيب والمعاصي.

{واتخذ قوم موسى من بعده} أي: بعد ذهابه إلى المناجاة {من حليهم} أي: الذي استعاروه من القبط بسبب عرس فبقي عندهم.

فإن قيل: كيف قال: من حليهم وكان معهم معاراً؟ أجيب: بأنه لما أهلك الله تعالى قوم فرعون بقيت تلك الأموال في أيديهم وصارت ملكاً لهم كسائر أملاكهم بدليل قوله تعالى: {كم تركوا من جنات وعيون، وزروع ومقام كريم، ونعمة كانوا فيها فاكهين، كذلك وأورثناها قوماً آخرين} (الدخان، الآيات: 25 26 27 28)

وقرأ حمزة والكسائي بكسر الحاء والباقون بضمها {عجلاً} أي: صاغه لهم منه السامري وقوله تعالى: {جسداً} بدل منه أي: صار جسداً ذا لحم ودم {له خوار} أي: صوت البقر.

روي أنّ السامريّ لما صاغ العجل ألقي في فمه قبضة من تراب أثر فرس جبريل عليه السلام يوم قطع البحر فصار حياً له خوار، وقيل: صاغه بنوع من الحيل فيدخل الريح جوفه ويصوت. وإنما نسب الاتخاذ إليهم وهو فعله إما لأنهم رضوا به أو لأنّ المراد اتخاذهم إياه إلهاً، وقيل: إنه ما خار إلا مرّة واحدة، وقيل: إنه كان يخور كثيراً فإذا خار سجدوا له وإذا سكت رفعوا رؤوسهم، وقال وهب: كان يسمع منه الخوار وهو لا يتحرّك، قال السدي: كان يخور ويمشي.

وقوله تعالى: {ألم يروا أنه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلاً} تقريع على فرط ضلالهم وإفراطهم بالنظر لأن هذا العجل لا يمكنه أن يتكلم بصواب ولا يهدي إلى رشد ولا يقدر على ذلك ومن كان كذلك كان جماداً أو حيواناً ناقصاً عاجزاً وعلى كلا التقديرين لا يصلح أن يعبد، ثم وصفهم الله تعالى بالظلم بقوله: {اتخذوه} أي: العجل إلهاً {وكانوا ظالمين} أي: واضعين الأشياء في غير موضعها فلم يكن اتخاذ العجل بدعاً منهم ولا أوّل مناكيرهم واختلفوا هل كل قوم موسى عبدوا العجل أو بعضهم؟

طور بواسطة نورين ميديا © 2015