إن الله تعالى أهلك عاداً وجعلكم تخلفونهم في الأرض وتعمرونها {وبوّأكم} أي: أسكنكم وأنزلكم {في الأرض} أي أرض الحجر {تتخذون من سهولها قصوراً} أي: تبنون القصور من سهولة الأرض لأنّ القصور إنما تبنى من اللبن والآجرّ المتخذ من الطين السهل اللين غالباً {وتنحتون الجبال بيوتاً} أي: وتنقبون في الجبال البيوت وكانوا في الصيف يسكنون بيوت الطين وفي الشتاء بيوت الجبال. وقرأورش وأبو عمرو وحفص بضم الباء والباقون بخفضها {فاذكروا آلاء الله} أي: فاذكروا نعمة الله عليكم واشكروه عليها فإنكم منعمون مرفهون بمساكن في الصيف ومساكن في الشتاء {ولا تعثوا في الأرض مفسدين} والعثو أشد الفساد، وقال قتادة: معناه لا تسيروا مفسدين في الأرض، وقيل: أراد به النهي عن عقر الناقة.
{قال الملأ الذين استكبروا من قومه} أي: تكبروا عن الإيمان به {للذين استضعفوا} أي: للذين استضعفوهم واستبذلوهم وقوله تعالى: {لمن آمن منهم} بدل من الذين استضعفوا بدل الكل إن كان الضمير لقومه وبدل البعض إن كان للذين، وقرأ ابن عامر: وقال الملأ بالواو والباقون بلا واو {أتعلمون أن صالحاً مرسل من ربه} أي: أنّ الله أرسله إلينا وإليكم قالوا: ذلك على الاستهزاء {قالوا} أي: الضعفاء {إنا بما أرسل به} أي صالح من الدين والهدى {مؤمنون} أي: مصدّقون وإنما عدلوا عن الجواب السويّ الذي هو نعم تنبيهاً على أنّ إرساله أظهر من أن يشك فيه عاقل أو يخفى على ذي لب.
{قال} الملأ: {الذين استكبروا} عن أمر الله تعالى والإيمان به وبرسوله صالح عليه السلام {إنا بالذي آمنتم به كافرون} أي: جاحدون متكبرون.
{فعقروا الناقة} أي: عقرها فدار بأمرها فأسند العقر إليهم والعقر قطع عرقوب البعير ثم جعل النحر عقراً فإنه قتلها بالسيف فإنّ ناحر البعير يعقره ثم ينحره {وعتوا عن أمر ربهم} أي: تكبروا عن أمر ربهم وعصوه وكذبوا نبيهم صالحاً عليه السلام {وقالوا يا صالح ائتنا بما تعدنا} أي: من العذاب {إن كنت من المرسلين} أي: إن كنت تزعم أنك رسول الله فإنّ الله ينصر رسله على أعدائه وإنما قالوا ذلك لأنهم كانوا مكذبين في كل ما أخبرهم به من العذاب.
{فأخذتهم الرجفة} أي: الزلزلة الشديدة من الأرض والصيحة من السماء {فأصبحوا في دارهم جاثمين} أي: باركين على الركب ميتين.
روي أن عاداً لما أهلكت عمرت ثمود بلادهم وخلفوهم في الأرض وكثروا وعمروا أعماراً طوالاً حتى أنّ الرجل كان يبني البيت المحكم فينهدم في حياته فينحتون البيوت من الجبال وكانوا في سعة ورخاء من العيش فعثوا وأفسدوا في الأرض وعبدوا الأصنام فبعث الله تعالى إليهم صالحاً عليه السلام من أشرافهم غلاماً شاباً فدعاهم إلى الله تعالى حتى كبر لا يتبعه إلا قليل مستضعفون فلما ألحّ عليهم صالح بالدعاء والتبليغ وأكثر عليهم التحذير والتخويف سألوه آية فقال لهم: أيّ آية تريدون؟ فقالوا: تخرج معنا إلى عيدنا في يوم معلوم لهم في السنة فتدعو إلهك وندعوا آلهتنا فإن استجيب لك اتبعناك وإن استجيب لنا اتبعتنا، قال لهم صالح: نعم، فخرجوا بأوثانهم إلى عيدهم وخرج صالح معهم ودعوا أوثانهم وسألوهم الاستجابة فلم تجبهم ثم قال سيدهم جندع بن عمرو وأشار إلى صخرة منفردة في ناحية الجبل يقال لها: الكاثبة: أخرج لنا من هذه الصخرة ناقة