صلى الله عليه وسلم قال: «إذا دخل أهل الجنة الجنة نادى منادٍ إنّ لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبداً وإنّ لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبداً وإنّ لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبداً وإنّ لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبداً» فذلك قوله تعالى: {ونودوا أن تلكم الجنة} {أورثتموها} أي: أعطيتموها {بما كنتم تعملون} أي: بسبب أعمالكم الصالحة التي عملتموها لأنّ الجنة جعلت جزاء وثواباً لكم على الأعمال الصالحة ولا يعارض هذا ما ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لن يدخل الجنة أحد بعمله إنما يدخلونها برحمة الله تعالى» فإنّ الباء في الحديث للعوض وهي الداخلة على الأثمان نحو شريت الفرس بألف فلا تكون الجنة مشتراة له بعمله فيكون عمله ثمناً لها أو إنّ دخول الجنة برحمة الله واقتسام الدرجات بالأعمال أو أنّ العمل الصالح لن يناله المؤمن ولن يبلغه إلا برحمة الله وتوفيقه وإذا كان العمل الصالح بسبب الرحمة كان دخول الجنة في الحقيقة برحمة الله وجعلها الله تعالى ثواباً وجزاء لهم على تلك الأعمال الصالحة التي عملوها في دار الدنيا.
وروي أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما من أحد إلا وله منزل في الجنة ومنزل في النار أمّا الكافر فيرث المؤمن منزله من الجنة والمؤمن يرث الكافر منزله من النار» وأن في المواضع الخمسة التي فيها المناداة والتأذين هي المخففة أو المفسرة لأنّ المناداة والتأذين من القول، وقرأ نافع وابن كثير وابن ذكوان وعاصم بإظهار الثاء عند التاء والباقون بالإدغام.
{ونادى أصحاب} أي: أهل {الجنة أصحاب} أي: أهل {النار} أي: يقول أهل الجنة يا أهل النار {أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا} أي: في الدنيا على لسان الرسل من الثواب على الإيمان به وبرسله وطاعته {حقاً فهل وجدتم ما وعد ربكم} أي: من العذاب على الكفر {حقاً قالوا} أي: قال أهل النار مجيبين لأهل الجنة {نعم} وجدنا ذلك حقاً وهذا النداء إنما يكون بعد استقرار أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار.
فإن قيل: الجنة في السماء والنار في الأرض فكيف يصح أن يقع هذا النداء؟ أجيب: بأن الله قادر على أن يقوّي الأصوات والأسماع فيصير البعيد كالقريب.
فإن قيل: هذا النداء من كل أهل الجنة لكل أهل النار أو من البعض للبعض؟ أجيب: بأن ظاهر الآية العموم ويحتمل في كل واحد من أهل الجنة ينادي من كان يعرف من الكفار في دار الدنيا والله أعلم بحقيقة ذلك، وقرأ الكسائي بكسر العين والباقون بالفتح وهما لغتان {فأذن مؤذن} أي: وهو إسرافيل صاحب الصور كما قاله ابن عباس، وقيل: واحد من الملائكة وأصل الأذان في اللغة الإعلام والمعنى نادى مناد {بينهم} أي: الفريقين أسمعهم {أن لعنت الله على الظالمين} وقرأ البزيّ وابن عامر وحمزة والكسائي بتشديد أنّ ونصب التاء والباقون بتخفيف أن ورفع التاء ثم فسر الظالمين منهم بقوله تعالى:
{الذين يصدّون عن سبيل الله} أي: يمنعون الناس عن الدخول في دين الإسلام {ويبغونها} أي: يطلبون السبيل {عوجاً} أي: معوجة، قال ابن عباس: يصلون لغير الله ويعظمون ما لم يعظمه الله، والعوج بكسر العين في الدين والأمر وكل ما لم يكن قائماً وبالفتح في كل ما كان قائماً كالحائط والرمح {وهم بالآخرة كافرون} أي: بكون الآخرة واقعة جاحدون منكرون لها.
{وبينهما} أي: أهل الجنة